فصل: كِتَابُ الرَّهْنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


باب الْإِقَالَةِ

الْإِقَالَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الرَّفْعُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْعَقْدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ وَخَصَّ الْبَيْعَ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ لَا يَقْبَلُهَا وَتَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي، وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُمَا الْمُسَاوَمَةُ كَالنِّكَاحِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ كَالْبَيْعِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْنِي مَا اشْتَرَيْت مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ بِعْت فَهُوَ بَيْعٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْإِقَالَةِ إلَّا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ شَرَطَ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ‏)‏ هَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ عَيْبٌ أَمَّا إذَا تَعَيَّبَ جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ أَقَالَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَهِيَ بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ فِي هَذَا تَفْصِيلٌ إنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ‏.‏

فَهِيَ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِأَقَلَّ فَهِيَ فَسْخٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ، أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ فَهِيَ بَيْعٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا وَحَقِّ الْغَيْرِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَهِيَ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَنَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِيهَا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْهِبَةِ فَكَذَا الْإِقَالَةُ وَيُقَالُ إنَّمَا جُعِلَتْ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَمَلًا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِمَعْنَى الْإِقَالَةِ لَا بِلَفْظِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَعْنَى مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَهَذَا حَدُّ الْبَيْعِ فَاعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَاعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ بِأَنْ يُعْتَبَرَ اللَّفْظُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَالْعَمَلُ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ قَائِمٌ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ الْفَسْخِ، فَاعْتَبَرْنَا جَانِبَ اللَّفْظِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِقِيَامِ اللَّفْظِ بِهِمَا، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا لَفْظَ الْفَسْخِ بِهِمَا تَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لَا مَحَالَةَ لِلْعَمَلِ بِالشَّبَهَيْنِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ ‏"‏ فَسْخٌ فِي

حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ‏"‏ تَظْهَرُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ‏:‏ إحْدَاهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَمَا سَمَّيَا عِنْدَ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَفَسَدَتْ، وَالثَّالِثَةُ إذَا تَقَايَلَا وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَكَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بَيْعٌ جَدِيدٌ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالْعَقَارِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالرَّابِعَةُ إذَا وَهَبَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالِاسْتِرْدَادِ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَصَارَ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِالْهِبَةِ وَلَا تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ فَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا فَوَهَبَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ يَعْنِي إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، وَالْخَامِسَةُ لَوْ كَانَ كَيْلِيًّا، أَوْ وَزْنِيًّا وَقَدْ بَاعَهُ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً فَتَقَايَلَا وَاسْتَرَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ صَحَّ قَبْضُهُ وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَمَا صَحَّ قَبْضُهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ بَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُمَا وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ ‏"‏ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ‏"‏ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي الْإِقَالَةِ فَلَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ صَرْفًا فَالتَّقَابُضُ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ كَبَيْعٍ جَدِيدٍ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَلَمْ يُعَوِّضْهُ حَتَّى بَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ آخَرَ، ثُمَّ تَقَايَلَا لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَاهَا فِي حَقِّ الْوَاهِبِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا‏)‏؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَقَوْلُهُ‏:‏ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بَقِيَ الثَّمَنُ وَالثَّمَنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ، وَإِذَا بَقِيَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَهَلَكَ مَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ عَقْدٌ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهِ، وَإِذَا تَبَايَعَا عَيْنًا بِعَيْنٍ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَى مُشْتَرِي الْهَالِكِ قِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَيُسَلِّمُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ تَقَايَلَا، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِمَا قَائِمَانِ، ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي بَاقِيهِ‏)‏ لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ أَرْشَهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا رَدَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

باب الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ

الْبَيْعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ بَيْعِ مُسَاوَمَةٍ وَبَيْعِ ضَمَانٍ، فَبَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَبَيْعُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ‏:‏ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ، وَبَيْعُ الْمُوَاضَعَةِ، وَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ تَوْلِيَةِ الْكُلِّ وَتَوْلِيَةِ الْبَعْضِ، فَتَوْلِيَةُ الْكُلِّ تَوْلِيَةٌ وَتَوْلِيَةُ الْبَعْضِ اشْتِرَاكٌ‏.‏

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ‏)‏ اعْلَمْ أَنَّ فِي كُلِّ قَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ اعْتِرَاضًا فَقَوْلُهُ‏:‏ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِنْ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الدَّنَانِيرَ بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مُرَابَحَةً وَقَوْلُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ حَقِّهِ أَيْ يُقَالُ‏:‏ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِنْ السِّلَعِ بِمَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَقْدُ فِيمَا مَلَكَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا وَأَبَقَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ عَادَ الْعَبْدُ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَقْدٌ وَقَوْلُهُ‏:‏ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَالَ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطِّرَازِ جَازَ وَهَذَا إذَا جُمِعَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ‏)‏ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ‏{‏أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِّنِي أَحَدَهُمَا فَقَالَ هُوَ لَك بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَقَالَ أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا‏}‏‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُون الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ‏)‏ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ قَدَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطِّرَازِ، وَالْفَتَّالِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ‏)‏ الْفَتْلُ هُوَ مَا يَصْنَعُونَهُ فِي أَطْرَافِ الثِّيَابِ بِحَرِيرٍ، أَوْ كَتَّانٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ أَيْضًا أُجْرَةَ الْخَيَّاطِ، وَالْغَسَّالِ وَالسِّمْسَارِ وَهُوَ غَيْرُ الدَّلَّالِ وَأُجْرَةَ سَائِقِ الْغَنَمِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، وَلَا يُضِيفُ أُجْرَةَ رَاعِي الْغَنَمِ وَيَضُمُّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ وَكِسْوَتَهُمْ وَعَلَفَ الْحَيَوَانِ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ أَسْرَفَ فِيهِ يَضُمُّ قَدْرَ الْمَعْرُوفِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَا يَضُمُّ نَفَقَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ وَلَا مَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّقِيقِ فِي تَعْلِيمِ عَمَلٍ، أَوْ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَا أُجْرَةَ الْبَيْطَارِ، وَالْخَتَّانِ وَالرَّابِضِ، وَجُعْلَ الْآبِقِ، وَالْفِدَاءِ فِي الْجِنَايَةِ، وَأُجْرَةَ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثِينَ بَيْضَةً فَبَاعَ الْبَيْضَ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الدَّجَاجَةَ مُرَابَحَةً إنْ كَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِثْلَ ثَمَنِ الْبَيْضِ جَازَ لَهُ أَنْ يُضِيفَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَ الْبَيْضِ عِوَضًا عَمَّا أَنْفَقَ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا‏)‏ لِئَلَّا يَكُونَ كَاذِبًا وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ فَرَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الزُّيُوفِ عَنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى الْجِيَادِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ بِحَالٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى الْخِيَانَةِ إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي الْمُرَابَحَةِ لَا تُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَخْرُجُ بِأَقَلَّ مِنْهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ‏)‏ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ تُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ مَوْضُوعِهِ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي عَقْدِ التَّوْلِيَةِ فَلَوْ نَفَيْنَا الْخِيَانَةَ كَانَ عَقْدَ مُرَابَحَةٍ وَذَلِكَ ضِدُّ مَا قَصَدَاهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً، وَفِي الْمُرَابَحَةِ إذَا لَمْ تُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً، وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ، أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحُطُّ فِيهِمَا‏)‏ قِيَاسًا عَلَى التَّوْلِيَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا يَحُطُّ فِيهِمَا وَلَهُ الْخِيَارُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا فَلَا يَخْرُجُ بِأَقَلَّ مِنْهَا فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَصُورَةُ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِتِسْعَةٍ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ فَوَلَّيْتُك بِمَا اشْتَرَيْته، أَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَشَرَةً بِأَحَدَ عَشَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا‏:‏ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ فِي التَّوْلِيَةِ بِالْخِيَانَةِ وَهِيَ دِرْهَمٌ، وَفِي الْمُرَابَحَةِ

بِالْخِيَانَةِ وَحِصَّتُهَا مِنْ الرِّبْحِ وَهِيَ دِرْهَمٌ وَعُشْرُ دِرْهَمٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِمَا جَمِيعًا‏:‏ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَحَلًّا لِلْفَسْخِ، وَإِلَّا بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْمُرَابَحَةِ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَفِي التَّوْلِيَةِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبَيَانُ الْحَطِّ فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ عَلَى رِبْحِ خَمْسَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَإِنَّهُ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْخُمُسُ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ وَمَا قَابَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُبَيِّنَ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْعَلُ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالِ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّهُ يُحَابِيهِمْ فَصَارَ كَالشِّرَاءِ مِنْ عَبْدِهِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ مُدَبَّرِهِ، أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ - سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ لَا، - أَوْ مَمَالِيكُهُ اشْتَرَوْا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ مُضَارِبِهِ، أَوْ اشْتَرَى مُضَارِبُهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ نَحْوُ أَنْ يَكُون مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ أَيْ بِأَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَلَوْ اشْتَرَى بِنَسِيئَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ

يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ‏)‏ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَا تَصِحُّ قَبْلَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِتَقَعَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَكَانَ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ لَا تَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ، وَالْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ، وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْكِتَابَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُبَادَلَةٍ كَالْبَيْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ جَوَازًا، وَإِنْ زَوَّجَ جَارِيَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ وَلَوْ جَعَلَ الْمَنْقُولَ أُجْرَةً فَتَصَرَّفَ الْمُؤَجِّرُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا اشْتَرَى مَنْقُولًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا مِنْ بَائِعِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ فَالْبَيْعُ الثَّانِي بَاطِلٌ، وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ جَائِزٌ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ بَطَلَتْ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ‏)‏ لِأَنَّ الْعَقَارَ فِي مَحَلِّ قَبْضِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي يَدِ نَفْسِهِ وَكَانَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ مَضْمُونٍ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مَقْبُوضًا عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ كَالْعَارِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ‏)‏ اعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَصَارَ كَالْإِجَارَةِ، وَالْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً، أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ، أَوْ اتَّزَنَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَلَا يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ، أَوْ الْوَزْنَ فِيهِ ثَانِيًا‏)‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي‏}‏ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الشَّرْطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِكَيْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ، وَلَا يَكِيلُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَإِنْ كَالَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ صَاعَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُيُودٌ يَقَعُ بِهَا الِاحْتِرَازُ عَنْ مَسَائِلَ أُخَرَ، قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَك مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا بِالْهِبَةِ، أَوْ بِالْمِيرَاثِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَكِيلُ، أَوْ الْمَوْزُونُ مَبِيعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ثَمَنًا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُكَايَلَةً حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مُجَازَفَةً جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَقَوْلُهُ‏:‏ فَاكْتَالَهُ، أَوْ اتَّزَنَهُ أَيْ كَالَ لِنَفْسِهِ، أَوْ وَزَنَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَيْ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْكَيْلِ أَيْضًا مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَقَوْلُهُ‏:‏ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَيْ

لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ لِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنْ كَالَهُ لِنَفْسِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَيْلَيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ‏)‏ وَكَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ‏:‏ إنَّ الْقَرْضَ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ الْبَائِعً فِي الثَّمَنِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ لَا يَلْحَقُ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً إنْ قَبَضَهَا صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا بَطَلَتْ لَنَا أَنَّ الْعَقْدَ فِي مِلْكِهِمَا بِدَلِيلِ جَوَازِ الْفَسْخِ فِيهِ فَجَازَ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِهِ كَحَالِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةٍ فَتَلِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَدْخُلُ وَلَدُهَا فِي الْمَبِيعِ، وَإِذَا جَازَ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ التَّرَاضِي أَوْلَى فَإِنْ زِيدَ فِي الْمَبِيعِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِهِ فَقَبِلَ الْآخَرُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَالْعَقْدُ بِحَالِهِ، وَإِنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ، أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ، أَوْ تَدْبِيرِهِ، أَوْ اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا عِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ - يَعْنِي بِذَلِكَ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ - أَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَفِي الْبَقَّالِيِّ يَجُوزُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ‏)‏ وَلَوْ حَطَّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ جَازَ إجْمَاعًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ‏)‏ يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْحَقُ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ عِوَضًا لِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمَعْقُودَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَرَدَ عَلَيْهِمَا وَبَيَانُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا‏:‏ إذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَزَادَ

الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ ثَوْبًا آخَرَ، ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي إحْدَى الثِّيَابِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ هِيَ الْمَعِيبَةُ وَكَذَا الْمُشْتَرِي لَوْ زَادَ الْبَائِعُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّ كُلُّهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَمِنْهَا أَنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ، وَكَذَا الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ زَادَهُ الْمُشْتَرِي رِطْلًا مِنْ خَمْرٍ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ صَحَّتْ الزِّيَادَةُ وَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا صَارَ مُؤَجَّلًا‏)‏ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُوَقَّتًا وَهَذَا كَثَمَنِ الْبِيَاعَاتِ وَبَدَلِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ مُؤَجَّلَةً ابْتِدَاءً فَجَازَ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهَا الْأَجَلُ بِخِلَافِ الْقَرْضِ، وَإِنْ أَجَّلَهَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ وَقُدُومِ فُلَانٍ مِنْ سَفَرِهِ، وَإِلَى الْمَيْسَرَةِ فَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَالثَّمَنُ حَالٌّ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالنَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ صَحَّ التَّأْجِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ سَلَمٌ، أَوْ دَيْنٌ سِوَاهُ إلَى أَجَلٍ حَلَّ مَا عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَوْتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُبْطِلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّهِ وَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ بِمَوْتِهِ، وَمَوْتُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لَا يُبْطِلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ حَيٌّ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْأَجَلِ قَوْلُهُ‏:‏

‏(‏وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا إلَّا الْقَرْضَ فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ‏)‏ لِأَنَّهُ اصْطِنَاعُ مَعْرُوفٍ، وَفِي جَوَازِ تَأْجِيلِهِ جَبْرٌ عَلَى اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَصِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى تَصِحَّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَلَا يَمْلِكَهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالصَّبِيِّ، وَالْوَصِيِّ وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ أَيْ لِمَنْ أَجَّلَهُ إبْطَالُهُ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ؛ إذْ لَا إجْبَارَ فِي التَّبَرُّعِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

باب الرِّبَا

الرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ زِيَادَةٌ، أَوْ لَا أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ وَالرِّبَا حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ‏:‏ تَعَالَى ‏{‏وَحَرَّمَ الرِّبَا‏}‏، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَكْلُ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ الرِّبَا أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ وَمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ‏}‏ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ‏{‏آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ وَكَاتِبُهُ وَشَاهِدُهُ إذَا عَلِمُوا بِهِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏ كَذَا فِي النِّهَايَةِ‏.‏

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا، أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَالْعِلَّةُ فِيهِ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ، أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ‏)‏ وَيُقَالُ‏:‏ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْكَيْلَ، وَالْوَزْنَ مَعًا بِخِلَافِ لَفْظِ الْكَيْلِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْوَزْنَ وَلَفْظُ الْوَزْنِ لَا يَتَنَاوَلُ الْكَيْلَ، وَأَمَّا لَفْظُ الْقَدْرِ فَيَشْمَلُهُمَا مَعًا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعِلَّةُ الطَّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ وَقَالَ مَالِكٌ الْعِلَّةُ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ مَعَ الْجِنْسِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ بَاعَ قَفِيزَ نَوْرَةٍ بِقَفِيزَيْ نَوْرَةٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْكَيْلِ مَعَ الْجِنْسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بِطِّيخَةٍ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَبَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْكَيْلِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِوُجُودِ الطَّعْمِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ

حَتَّى لَوْ بَاعَ خَمْسَ حَفَنَاتٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِسِتِّ حَفَنَاتٍ مِنْهَا وَهُمَا لَا يَبْلُغَانِ حَدَّ نِصْفِ صَاعٍ جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَ حَفْنَةً بِقَفِيزٍ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ‏:‏ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ لَا يَبْلُغُ حَدَّ نِصْفِ صَاعٍ، وَالْآخَرُ يَبْلُغُهُ، أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فَبَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ فَإِنَّ الرِّبَا يَثْبُتُ فِيهِ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ وَهُوَ الْوَزْنُ وَالْجِنْسُ وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ بَيَانُهُ إذَا بَاعَ هَرَوِيًّا بِهَرَوِيٍّ، أَوْ مَرْوِيًّا بِمَرْوِيٍّ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَ شَاةً بِشَاةٍ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ وَهِيَ بِانْفِرَادِهَا تُحَرِّمُ النَّسَاءُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّفَاضُلَ يَحِلُّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا بِيعَ الْمَكِيلُ، أَوْ الْمَوْزُونُ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَاضَلَا لَمْ يَجُزْ‏)‏؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ رِبًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفَضْلُ رِبًا وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا‏}‏ وَيُرْوَى مِثْلٌ بِمِثْلٍ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَبِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى بِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَوْ تَبَايَعَا صُبْرَةَ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ مُجَازَفَةً، ثُمَّ كِيلَتَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَلَنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْعِلْمُ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ كَانَ التَّسَاوِي مَعْدُومًا، أَوْ مَوْهُومًا فِيمَا بُنِيَ أَمْرُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجُوزُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ، وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ‏)‏ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى الْمَضْمُومِ إلَيْهِ هُوَ الْكَيْلُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالْوَزْنُ فِي الْفِضَّةِ يَعْنِي الْقَدْرَ إمَّا الْكَيْلُ، أَوْ الْوَزْنُ وَهَذَا كَالْهَرَوِيِّ بِالْمَرْوِيِّ، وَالْجَوْزِ بِالْبَيْضِ لِعَدَمِ الْعِلَّتَيْنِ، وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا وُجِدَا حَرُمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ‏)‏ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ‏)‏ مِثْلُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً‏}‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ مَالِكٌ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَثِمَارُ النَّخِيلِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَلْوَانُهَا وَأَسْمَاؤُهَا كَالْبَرْنِيِّ، وَالْمَعْقِلِيِّ وَالدَّقَلِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ‏}‏ وَهُوَ عَامٌّ وَثِمَارُ الْكُرُومِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهَا لِأَنَّ اسْمَ الْعِنَبِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَالزَّبِيبُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهُ وَبُلْدَانُهُ، وَالْحِنْطَةُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهَا، وَإِذَا بِيعَ التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ أَوْ الزَّبِيبُ بِالْحِنْطَةِ، أَوْ التَّمْرُ بِالذُّرَةِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ جَمَعَهُمَا وَلُحُومُ الْغَنَمِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ضَأْنُهَا وَمَعَزُهَا وَالنَّعْجَةُ وَالتَّيْسُ فَلَوْ بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِشَحْمِهَا، أَوْ

بِأَلْيَتِهَا، أَوْ بِصُوفِهَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ جَمَعَهُمَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ غَزْلِ الْقُطْنِ بِالْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ إذَا غُزِلَ فَهُوَ كَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ مَكِيلٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ‏)‏؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ، وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ بِجِنْسِهَا مُتَسَاوِيَةً وَزْنًا، أَوْ الْفِضَّةَ بِجِنْسِهَا مُتَمَاثِلًا كَيْلًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ كَمَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوهَا وَزْنًا لِوُجُودِ السَّلَمِ فِي مَعْلُومٍ وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِعْلَامُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْوَزْنِ كَمَا يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْكَيْلِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْوَزْنَ فِيهِ مِثْلُ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ‏)‏ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ بِأَمْثَالِهِمَا كَيْلًا لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ‏)‏ لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ وَقَبْضُ عِوَضِهِ فِي الْمَجْلِسِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءَ وَهَاءَ‏}‏ وَمَعْنَاهُ يَدًا بِيَدٍ أَيْ خُذْ، وَالْقَصْرُ فِيهِ خَطَأٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَا سِوَاهُ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ‏)‏ وَهَذَا كَمَنْ بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ بِأَعْيَانِهِمَا، أَوْ شَعِيرًا بِشَعِيرٍ فَإِنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا وَلَا يَضُرُّهُمَا الِافْتِرَاقُ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَيَقْبِضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا اشْتَرَاهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَهَذَا إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا، وَالْآخَرُ عَيْنًا إنْ كَانَ الْعَيْنُ هُوَ الْمَبِيعَ جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ الدَّيْنِ، وَالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِأَبْدَانِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ دَيْنًا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَوْ قَبَضَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا، ثُمَّ تَفَرَّقَا جَازَ سَوَاءٌ قَبَضَ الْعَيْنَ، أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ هُوَ الْمَبِيعَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِهَذَا الْقَفِيزِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَبَضَ الدَّيْنَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ مَبِيعًا فَصَارَ بَائِعًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَمَعْرِفَةُ الثَّمَنِ مِنْ الْمَبِيعِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْبَاءِ فِيهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَلَا بِالسَّوِيقِ‏)‏ يَعْنِي لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا وَسَوِيقَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالدَّقِيقِ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ دَقِيقًا بِدَقِيقٍ وَزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ فِي الْحِنْطَةِ مُجْتَمِعٌ فَإِذَا فُرِّقَتْ أَجْزَاؤُهُ بِالطَّحْنِ زَادَ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ يُقَالُ مَقْلُوَّةٌ وَمَقْلِيَّةٌ لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا تَسَاوَيَا فِي النُّعُومَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِالْحِنْطَةِ غَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ صُورَةً فَعَرَفْنَا الْمُجَانَسَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ وَاَلَّذِي فِي ضِمْنِ الْحِنْطَةِ دَقِيقٌ فَثَبَتَتْ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ، وَالْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ قَبْلَ الطَّحْنِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِالدَّقِيقِ اتِّخَاذُ الْخُبْزِ، وَالْعَصَائِدِ وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالسَّوِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُلَتُّ بِالسَّمْنِ، وَالْعَسَلِ فَيُؤْكَلُ كَذَلِكَ قُلْنَا‏:‏ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ - وَهُوَ التَّغَذِّي - يَشْمَلُهُمَا فَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ الْبَعْضِ كَالْمَقْلُوَّةِ مَعَ غَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ، وَالْعِلْكَةِ بِالْمُسَوِّسَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَالْعِلْكَةُ الْجَيِّدَةُ يُقَالُ حِنْطَةٌ عِلْكَةٌ أَيْ جَيِّدَةٌ تَتَمَدَّدُ كَالْعِلْكِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ مِنْ جَوْدَتِهَا وَلِينِهَا وَالْمُسَوِّسَةُ الَّتِي أَكَلَهَا السُّوسُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ فَكَذَا الدَّقِيقُ مَعَ السَّوِيقِ

وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الثَّقِيلَةِ بِالْحِنْطَةِ الْخَفِيفَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِنْطَةُ دُونَ الدَّقِيقِ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِمَا وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْكَيْلِ فَلِهَذَا جَازَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ‏)‏ وَهَذَا إذَا كَانَ اللَّحْمُ، وَالْحَيَوَانُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ أَمَّا إذَا كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ بَاعَ لَحْمَ الْبَقَرِ بِالشَّاةِ وَمَا أَشْبَهَهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَيْفَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَمَعْنَى الِاعْتِبَارِ هُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الشَّاةِ لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمِثْلِهِ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ، وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ الرَّأْسِ، وَالْجِلْدِ، وَالْأَكَارِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ الْأَكَارِعِ وَالرَّأْسِ، وَالْجِلْدِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ اللَّحْمِ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوزَنُ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّاةُ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ وَاشْتَرَاهَا بِلَحْمِ شَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بِأَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ الْمَفْصُولُ أَكْثَرَ وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْمَسْلُوخَةِ غَيْرَ مَفْصُولَةٍ عَنْ السَّقَطِ، وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً حَيَّةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ يَجُوزُ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِلَحْمٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ فَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ بِلَحْمٍ وَزِيَادَةِ اللَّحْمِ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ سَقَطِهَا بِإِزَاءِ سَقَطِ الْأُخْرَى فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ‏)‏ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ؛ لِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ مِنْ خَيْبَرَ أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا‏}‏ سَمَّاهُ تَمْرًا وَبَيْعُ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا جَائِزٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَقِيلَ نَعَمْ قَالَ فَلَا إذًا‏}‏ قَالَ فِي النِّهَايَةِ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ السَّائِلَ كَانَ وَصِيًّا لِيَتِيمٍ فَلَمْ يَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مَنْفَعَةً لِلْيَتِيمِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجَفَافِ فَمَنَعَ الْوَصِيَّ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِشْفَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ فَسَادِ الْعَقْدِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الرُّطَبُ تَمْرًا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا قُلْنَا مَبْنَى الْإِيمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ، وَفِي الْعُرْفِ الرُّطَبُ غَيْرُ التَّمْرِ وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ مُتَمَاثِلًا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ، وَفِي شَرْحِهِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا بَيْعُ الْبُسْرِ بِالرُّطَبِ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ‏)‏ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَلَى الْخِلَافِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ وَبَيْنَ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ التَّمْرِ عَلَى الرُّطَبِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا‏}‏ وَلَمْ يَرِدْ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّبِيبِ عَلَى الْعِنَبِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ فَيَكُونُ الدُّهْنُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرَةِ‏)‏ وَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ نَسِيئَةً الشَّيْرَجُ السَّلِيطُ وَالثَّجِيرَةُ الْعُصَارَةُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا فِيهِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَكَذَا الْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ، وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ فَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ غَزْلِ الْقُطْنِ بِالْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ بِالْغَزْلِ وَهُوَ نَظِيرُ الْحِنْطَةِ مَعَ الدَّقِيقِ‏.‏

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَزْلِ بِالْقُطْنِ إلَّا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ وَكِلَاهُمَا مَوْزُونٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَبَيْعُ الْغَزْلِ بِالثَّوْبِ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ بَيْع اللُّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا‏)‏ يَعْنِي لَحْمَ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الْإِبِلِ، أَوْ بِلَحْمِ الْغَنَمِ أَمَّا لَحْمُ الْبَقَرِ، وَالْجَوَامِيسِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَا الْمَعَزُ مَعَ الضَّأْنِ، وَالْبُخْتُ مَعَ الْعِرَابِ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ أَلْبَانُ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا فُرُوعٌ مِنْ أُصُولٍ هِيَ أَجْنَاسٌ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا، وَالْأَلْيَةُ وَاللَّحْمُ جِنْسَانِ وَشَحْمُ الْبَطْنِ، وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَخَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ‏)‏ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْلَيْهِمَا فَجَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَهُمَا قَدْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكَيْلُ، أَوْ الْوَزْنُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا‏)‏؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ بِالصَّنْعَةِ خَرَجَ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَدِّ، وَالْوَزْنِ، وَالْحِنْطَةُ مَكِيلَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ، أَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ نَسِيئَةً أَمَّا إذَا كَانَ الْخُبْزُ نَسِيئَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْخُبْزِ عَدَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْخَبْزِ، وَالْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ يَعْنِي فِي أَوَّلِ التَّنُّورِ وَآخِرِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثٌ مِنْ الدَّنَاءَةِ اقْتِرَاضُ الْخُبْزِ وَزْنًا، وَالْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ وَالنَّظَرُ فِي مِرْآةِ الْحَجَّامِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا وَلَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا كَمَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ‏)‏ هَذَا قَوْلُهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مَحْذُورٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ مَحْذُورًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِغَيْرِ أَمَانٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ مَالِ الْحَرْبِيِّ بِغَيْرِ طِيبَةِ نَفْسِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَإِذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَأَمْوَالُهُمْ مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ إلَّا مَا حَظَرَهُ الْأَمَانُ وَقَدْ حَظَرَ عَلَيْهِ الْأَمَانُ أَنْ لَا يَأْخُذَ مَالَهُ إلَّا بِطِيبَةِ نَفْسِهِ وَإِذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ مَالَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ وَكَذَا إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ مُسْلِمٌ بِأَمَانٍ فَبَاعَ مِنْ مُسْلِمٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا جَازَ الرِّبَا مَعَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْلِمَانِ فَلَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا الرِّبَا كَمَا لَوْ كَانَا فِي دَارِنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَالٍ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مَالِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَأَمَّا إذَا هَاجَرَ إلَيْنَا، ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِهِمْ لَمْ يَجُزْ الرِّبَا مَعَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ مَالَهُ بِدَارِنَا فَصَارَ كَأَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ‏.‏

باب الِاسْتِبْرَاءِ

هَذَا بَابٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ وَهُوَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فَنَقُولُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُسْتَحَبٍّ وَوَاجِبٍ فَالْمُسْتَحَبُّ اسْتِبْرَاءُ الْبَائِعِ، وَالْوَاجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْمُشْتَرِي أَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْبَائِعِ فَنَقُولُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ وَيُمَلِّكَهَا غَيْرَهُ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ وَطْئِهِ حَتَّى يُعْلَمَ فَرَاغُ رَحِمِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَهِيَ أَمَةٌ، أَوْ مُدَبَّرَةٌ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ وَطْئِهِ فَإِنْ زَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءِ، أَوْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ، وَأَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْمُشْتَرِي فَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ ‏{‏أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ‏}‏ فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ سَوَاءٌ مَلَكَهَا بِالْبَيْعِ، أَوْ بِالْهِبَةِ، أَوْ بِالصَّدَقَةِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ، أَوْ بِالْمِيرَاثِ، أَوْ بِالْخُلْعِ، أَوْ بِالْكِتَابَةِ، أَوْ دُفِعَتْ إلَيْهِ بِجِنَايَةٍ جَنَتْهَا وَسَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ الْمِلْكُ مِنْ امْرَأَةٍ، أَوْ مِنْ صَغِيرٍ بَاعَهَا عَلَيْهِ أَبُوهُ، أَوْ جَدُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ قَطُّ فَهُوَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ اسْتَبْرَأَهَا بِشَهْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَبِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اسْتَبْرَأَهَا فِي أَثْنَائِهَا وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بِالْوِلَادَةِ الْحَاصِلَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ، وَالْيَدِ، وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ السَّبَبَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجْزِيهِ الْحَيْضَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ، وَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَلَا يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يُعَانِقَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَالشَّيْءُ إذَا حَرُمَ حَرُمَ بِدَوَاعِيهِ‏.‏

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَطْئًا وَاسْتِمْتَاعًا وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَذًى حَرُمَ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ كَالْعِدَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَيْضُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ لِأَجْلِ الْأَذَى وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَلَوْ مَلَكَ مِنْ الْجَارِيَةِ نِصْفَهَا وَحَاضَتْ، ثُمَّ مَلَكَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لَا يَجْتَزِئُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أُخْرَى، وَإِذَا كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَوَضَعَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا بِمَا سِوَى الْجِمَاعِ مَا دَامَتْ فِي النِّفَاسِ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَائِضِ، وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهَا لَمْ يَطَأْهَا، وَإِنْ حَاضَتْ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَدْ كَانَتْ حَاضَتْ مَعَهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَإِنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُمْلَكُ بِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا عَادَتْ إلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى رَجُلٍ هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا كَذَا هَذَا وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَلَمْ تَحِضْ فَعِنْدَ

أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا مُدَّةٌ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَظَهَرَ الْحَمْلُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَمَا زَادَ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا مَضَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ ظَهَرَتْ عَلَامَاتُ حَمْلِهَا بِانْتِفَاخِ جَوْفِهَا، أَوْ بِنُزُولِ لَبَنِهَا فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بِهَا حَمْلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَتَانِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ فَقَبَضَهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَاضَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ، أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي حُكْمِ بَيْعٍ ثَانٍ كَالْإِقَالَةِ وَلَوْ أَقَالَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَذَلِكَ هَذَا وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ يُكْرَهُ، وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَا؛ إذَا قَرِبَهَا، وَالْحِيلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَتَزَوَّجُهَا وَيَدْخُلُ بِهَا، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا أَوْ يَقْبِضَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ

ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، ثُمَّ يَبِيعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَتَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا‏.‏

باب السَّلَمِ

لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْبُيُوعِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ بَقِيَ مِنْهَا النَّوْعَانِ اللَّذَانِ أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ السَّلَمُ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ الصَّرْفُ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا، ثُمَّ قَدَّمَ الْعَقْدَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرَقِّي إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأَقَلِّ إلَى الْأَكْثَرِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ‏.‏

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏السَّلَمُ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ‏)‏ الْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُثَمَّنًا وَالْمَكِيلَاتُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ، وَالْأَرُزِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا عُلِمَ قَدْرُهُ بِالْوَزْنِ جَازَ، وَالْمَوْزُونَاتُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَعْدُودَاتُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عِنْدَنَا وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ فِيهَا سَوَاءٌ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ وَالرُّمَّانِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ هَذِهِ الْبَيْضَةُ بِكَذَا وَهَذِهِ بِكَذَا، وَكَذَا الْجَوْزُ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ، وَالْجَوْزِ، وَأَمَّا بَيْضُ النَّعَامِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْمَذْرُوعَاتِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذِكْرِ الذِّرَاعِ وَهِيَ الثِّيَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ الثَّوْبِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ وَذَرْعِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ وَزْنًا كَالْحَرِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ وَلَا فِي أَطْرَافِهِ‏)‏ يَعْنِي الرُّءُوسَ، وَالْأَكَارِعَ لِلتَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ لَا مِقْدَارَ لَهُ وَلَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَيَتَفَاوَتُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ وَالسِّنِّ وَالنَّوْعِ وَشِدَّةِ الْعَدْوِ، وَالْهَمْلَجَةِ وَهُوَ سَيْرٌ سَهْلٌ لِلْبَرَاذِينِ وَقَدْ يَجِدُ فَرَسَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي السِّنِّ وَالصِّفَةِ، ثُمَّ يَشْتَرِي أَحَدَهُمَا بِأَضْعَافِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْآخَرَ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ وَهَذَا أَيْضًا فِي بَنِي آدَمَ لَا يَخْفَى فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ، وَالْأَمَتَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ سِنًّا وَصِفَةً وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْعَقْلِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْمُرُوءَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَلَا تُوزَنُ عَادَةً وَلَكِنَّهَا تُبَاعُ عَدَدًا وَهِيَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ فَإِنْ سَمَّى مِنْهَا شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْمُصْحَفِ مَعْلُومًا وَذَكَرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَجَوْدَتَهُ‏.‏

جَازَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْوَرَقِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ضَرْبًا مِنْهُ مَعْلُومَ الطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَالْجَوْدَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا فِي الْحَطَبِ حُزَمًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ مَجْهُولٌ إلَّا إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنَّ بَيَّنَ طُولَ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةَ أَنَّهُ ذِرَاعٌ، أَوْ ذِرَاعَانِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرُزًا‏)‏ هُوَ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ جُرْزَةٍ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهِيَ الْقَبْضَةُ مِنْ الْقَتِّ وَنَحْوِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُون الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ‏)‏ الْمَحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْحُلُولِ وَحَدُّ الْوُجُودِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ مِنْ السُّوقِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَحِلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ وَلَنَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمُدَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلْمُدَّةِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَاعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ فَحَلَّ السَّلَمُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ فَالسَّلَمُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ وَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ السَّلَمَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ إلَى حَالِ وُجُودِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَالرُّطَبِ إنْ أَسْلَمَ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَجَعَلَ الْمَحِلَّ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ جَازَ‏.‏

وَإِنْ جَعَلَ الْمَحِلَّ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ؛ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ، وَالْمَالِحُ هُوَ الَّذِي شُقَّ بَطْنُهُ وَجُعِلَ فِيهِ الْمِلْحُ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي زَمَانِ الشِّتَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ

يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي تَنْقَطِعُ اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا طَرِيِّهِ وَلَا مَالِحِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ فَهُوَ كَاللَّحْمِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يَجُوزُ فِي الْمَالِحِ إذَا سَمَّى وَزْنًا مَعْلُومًا، وَالْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ سَمَكٌ مِلْحٌ، أَوْ مَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ احْتَجُّوا لَهَا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ بَصْرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ مِصْرِيًّا أَطْعَمَهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا، وَالْحُجَّةُ لِلُّغَةِ الْفَصِيحَةِ قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ‏}‏ أَيْ شَدِيدُ الْمُلُوحَةِ وَلَمْ يَقُلْ مَالِحٌ، وَأَمَّا السَّمَكُ الصِّغَارُ إذَا كَانَ يُكَالُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ بَيَّنَ مَوْضِعًا مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ وَقِلَّةِ الْعِظَامِ وَكَثْرَتِهَا وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ إذَا سَمَّى مَكَانًا مَعْلُومًا مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الطُّيُورِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْأَلْيَةِ وَشَحْمِ الْبَطْنِ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا‏)‏ فَإِنْ أَسْلَمَا حَالًّا، ثُمَّ أَدْخَلَا الْأَجَلَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَقَبْلَ اسْتِهْلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ جَازَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ‏)‏ وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَاهُ فَقِيلَ شَهْرٌ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ‏)‏ هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَضِيعُ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ لَا يَجُوزُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا بِذِرَاعِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ‏)‏ هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا فِي تَمْرِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْعَدِمُ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ، أَوْ فِي ذُرَةٍ جَدِيدَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْهَا شَيْءٌ أَمْ لَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا بِسَبْعِ شَرَائِطَ تُذْكَرُ فِي الْعَقْدِ جِنْسٌ مَعْلُومٌ‏)‏ مِثْلُ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ تَمْرٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَنَوْعٌ مَعْلُومٌ‏)‏ مِثْلُ تَمْرٍ بَرْنِيِّ، أَوْ مَعْقِلِيٍّ، أَوْ ذُرَةٍ بَيْضَاءَ، أَوْ حَمْرَاءَ قَوْلُهُ ‏(‏وَصِفَةٌ مَعْلُومَةٌ‏)‏ مِثْلُ جَيِّدٍ، أَوْ وَسَطٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمِقْدَارٌ مَعْلُومٌ‏)‏ كَقَوْلِهِ قَفِيزٌ، أَوْ مُدٌّ أَوْ رِطْلٌ، أَوْ مَنٌّ ‏(‏وَأَجَلٌ مَعْلُومٌ‏)‏ مِثْلُ شَهْرٍ، أَوْ سَنَةٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْدُودِ‏)‏ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ وَهَذَا إنَّمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا مُشَارًا إلَيْهِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ، وَالْأُجْرَةَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جَهَالَةَ ذَلِكَ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمَقْبُوضِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ كَفًّا مِنْ دَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِي بَعْضِهَا زُيُوفًا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ قَدْرَهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَتَسْمِيَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُوفِيهِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ‏)‏ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ، وَأَمَّا مَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ حَيْثُ لَقِيَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُهُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَهَذَا كَالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَا إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَيُسَلِّمُهُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَلَكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَيُسَلِّمُهُ فِيهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ‏)‏ فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ صَافِيًا لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ، وَإِنْ كَانَ كَدِرًا بَطَلَ، وَإِنْ نَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا، أَوْ قَامَا يَمْشِيَانِ مَعًا لَمْ يَبْطُلْ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ فَإِنْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ افْتَرَقَا فِي السَّلَمِ بَعْدَ الْقَبْضِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ زُيُوفًا، أَوْ نَبَهْرَجَةً فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهَا صَحَّ السَّلَمُ، وَإِنْ اسْتَبْدَلَهَا بَطَلَ السَّلَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ إنْ اسْتَبْدَلَهَا فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ لَا يَبْطُلُ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا زُيُوفًا فَاسْتَبْدَلَهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَبْطُلُ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ فَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَسْتَبْدِلُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَإِنْ كَانَتْ الزُّيُوفُ النِّصْفَ بَطَلَ الْعَقْدُ إجْمَاعًا فِيهَا، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْتَبْدِلُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَقَضَ الْعَقْدُ فِيهَا فَإِنْ وَجَدَ رَأْسَ الْمَالِ سُتُّوقًا، أَوْ رَصَاصًا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ الْعَقْدُ إجْمَاعًا لِأَنَّ السَّتُّوقَ وَالرَّصَاصَ لَيْسَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ‏)‏ أَمَّا رَأْسُ الْمَالِ فَإِنَّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ يَسْقُطُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يُبْرِئَ رَبَّ السَّلَمِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ فَإِذَا أَبْرَأَ مِنْهُ سَقَطَ الْقَبْضُ وَبَطَلَ الْعَقْدُ وَهَذَا إذَا قَبِلَ رَبُّ السَّلَمِ الْبَرَاءَةَ فَإِنْ رَدَّهَا لَمْ يَبْطُلْ السَّلَمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ - عِوَضَ رَأْسِ الْمَالِ - شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الْقَبْضُ، وَأَمَّا الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ‏}‏ وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ - عِوَضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ - شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَوْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَيْسَ لَك إلَّا سَلَمُكَ، أَوْ رَأْسُ مَالِكَ‏}‏ أَرَادَ بِالسَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ لَا تَأْخُذْ إلَّا الْمُسْلَمَ فِيهِ حَالَ بَقَاءِ السَّلَمِ أَوْ رَأْسِ الْمَالِ حِينَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَجُزْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ إذَا سَمَّى طُولًا وَعَرْضًا وَرُقْعَةً‏)‏ بِالْقَافِ أَيْ غِلْظَةً وَثَخَانَةً؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ فِي مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ وَوَزْنِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِيهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَا فِي الْخَرَزِ‏)‏ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ فَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ السَّلَمُ فِيهِ جَائِزٌ فِي الصَّحِيحِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ‏:‏ وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالنُّضْجِ وَعَدَمِهِ‏.‏

وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا وَزْنًا وَلَا عَدَدًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا وَاخْتَارَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَتَى بِشَرَائِطِ السَّلَمِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّذِي يُبَاع وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْوَزْنِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الرُّمَّانِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ لِاخْتِلَافِ الصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ فِيهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبَنِ، وَالْآجُرِّ إذَا سَمَّى مُلَبِّنًا مَعْلُومًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إذَا ذَكَرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَسُمْكَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَلَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ‏)‏ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ‏)‏ الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَسَدِ وَلَا الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِمَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَبِعَظْمِهِ، وَفِي الْهِدَايَةِ‏:‏ الْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسُ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَطْهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ وَعِظَامُهُ نَجِسَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ يُبَاعُ عَظْمُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ وَيَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ، وَأَمَّا الْقِرْدُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ كَالسِّبَاعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يُبْتَاعُ لِلْمَلَاهِي، وَأَمَّا لُحُومُ السِّبَاعِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَيْعِهَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ مُذَكَّاةً وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِطْعَامِهِ لِلْكِلَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ مُذَكَّاةً؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَاتِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ وَلَوْ كَانَ مَدْبُوغًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَأَجَازَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا بَيْعَ السِّرْجِينِ، وَالْبَعْرِ وَشِرَاءَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ لِلْوُقُودِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ بَنَاتِ آدَمَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ‏)‏ لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَزِّ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الْقَزُّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا النَّحْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْكُوَّارَاتِ‏)‏ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ، وَإِنْ انْفَرَدَ إذَا كَانَ مُجْتَمِعًا مُحْرَزًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهَوَامِّ كَالْأَحْنَاشِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ وَالْفَأْرَةِ، وَالْبُومِ وَالضِّفْدَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْبِيَاعَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ إلَّا فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ خَاصَّةً فَإِنَّ عَقْدَهُمْ عَلَى الْخَمْرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ وَعَقْدَهُمْ عَلَى الْخِنْزِيرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الشَّاةِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَإِذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَ الْبَيْعُ سَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنْ صَارَتْ خَلًّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْعَقْدُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا جَازَ وَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ لِئَلَّا يَسْتَذِلَّهُ بِالْخِدْمَةِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى مُصْحَفًا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ‏.‏

باب الصَّرْفِ

الصَّرْفُ فِي اللُّغَةِ‏:‏ هُوَ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا، وَالْفَرْضُ عَدْلًا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ ‏{‏مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا‏}‏ الْعَدْلُ هُوَ الْفَرْضُ وَالصَّرْفُ هُوَ النَّفَلُ وَسُمِّيَ الْفَرْضُ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ أَدَاءُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الشَّرْعِ‏:‏ عِبَارَةٌ عَنْ النَّفْلِ وَالرَّدِّ فِي بَدَلَيْهِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ‏.‏

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ‏)‏ لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فِي مَالَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ بِمَعَانٍ عَنْ الْبَيْعِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ كَالسَّلَمِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ‏)‏ الصَّرْفُ اسْمٌ لِعُقُودٍ ثَلَاثَةٍ‏:‏ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِذَا اخْتَصَّ بِاسْمِ الصَّرْفِ اخْتَصَّ بِشَرَائِطَ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا وُجُودُ التَّقَابُضِ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَاتًّا لَا خِيَارَ فِيهِ فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ - وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ - انْقَلَبَ جَائِزًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلُ الصَّرْفِ مُؤَجَّلًا فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْأَجَلِ أَجَلَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَتَقَدَّمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَفَرَّقَا عَنْ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ انْقَلَبَ جَائِزًا فَلِزُفَرَ‏:‏ رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بَاعَهُمَا جَمِيعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ وَالطَّوْقِ وَيَكُونُ الطَّوْقُ بِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَرْفًا وَالْجَارِيَةُ بِتِسْعِمِائَةٍ بَيْعًا فَلَوْ افْتَرَقَا عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَطَلَ الصَّرْفُ، وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ صَحِيحٌ بِتِسْعِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَالصَّرْفُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا وَيَبْطُلُ بَيْعُ

الْجَارِيَةِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ فَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْأُولَى‏:‏ لَا يَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا انْعَقَدَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ الصَّرْفُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِهِ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ إبْطَالَ الْبَيْعِ فِي الْجَارِيَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّمَا يَبْطُلُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ فَسَادَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِإِنَاءِ فِضَّةٍ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ إنَاءً مَصُوغًا مِنْ نُحَاسٍ بِإِنَاءٍ مِنْ نُحَاسٍ حَيْثُ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ بِالنُّحَاسِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ بِالصِّنَاعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تُعَارِضُ النَّصَّ، وَأَمَّا النُّحَاسُ وَالصُّفْرُ فَيَتَغَيَّرَانِ بِالصِّنَاعَةِ وَكَذَا الْحَدِيدُ حُكْمُهُ حُكْمُ النُّحَاسِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ ثَابِتٌ فِيهِمَا بِالْعُرْفِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالصَّنْعَةِ لِتَعَارُفِ النَّاسِ فِي بَيْعِ الْمَصْنُوعِ مِنْهُمَا عَدَدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا وَلِهَذَا قَالُوا فِيمَنْ غَصَبَ قُلْبَ فِضَّةٍ فَكَسَرَهُ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقُلْبَ مَكْسُورًا وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِذَا تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ، وَوَزْنُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ وَمَعَ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا شَيْءٌ آخَرُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْخِلَافِ تَبْلُغُ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ، أَوْ أَقَلَّ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً كَالْقَلْسِ، وَالْجَوْزَةِ، وَالْبَيْضَةِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَاهُ لِيَجُوزَ الْعَقْدُ فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ كَيْفَ نَجِدُهُ فِي قَلْبِكَ قَالَ أَجِدُهُ مِثْلَ الْجَبَلِ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْخِلَافِ قِيمَةٌ كَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا يَكُونُ بِإِزَائِهَا بَدَلٌ فَيَكُونُ رِبًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏يَدًا بِيَدٍ وَهَاءَ وَهَاءَ‏}‏ ‏{‏وَقَالَ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ ذَكَرَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ لَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكُمَا لَبْسٌ‏}‏، وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ ‏{‏وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ وَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ‏}‏ وَقَالَ عُمَرُ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ أَيْ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ لِإِخْرَاجِ بَدَلِ الصَّرْفِ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تُمْهِلْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَصُوغِ، أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَالْمُرَادُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَا يَمْشِيَانِ مَعًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَرْسَخًا، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا لَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُفْتَرِقَيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ جَازَ التَّفَاضُلُ وَوَجَبَ التَّقَابُضُ‏)‏ أَمَّا التَّفَاضُلُ فَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا التَّقَابُضُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ‏}‏‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ افْتَرَقَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ‏)‏ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَيَدُلُّ هَذَا الْقَوْلُ أَنَّ التَّقَابُضَ فِي الصَّرْفِ شَرْطُ الْجَوَازِ لَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ‏:‏ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ لَا لِانْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ‏:‏ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَا بُطْلَانَ إلَّا بَعْدَ الِانْعِقَادِ وَالصِّحَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ‏)‏ حَتَّى لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَقَبْلَ قَبْضِ الْعَشَرَةِ اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا، أَوْ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَثَمَنُ الصَّرْفِ عَلَى حَالِهِ يَقْبِضُهُ وَيَتِمُّ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنْ قَبِلَ الْبَرَاءَةَ، أَوْ الْهِبَةَ بَطَلَ الصَّرْفُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُمَا لَمْ يَبْطُلْ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا وَهَبَ لَهُ ثَمَنَ الصَّرْفِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ فَأَبَى الْوَاهِبُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وُهِبَ لَهُ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ فَسْخَ الْعَقْدِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْقَبْضِ فَيُجْبَرُ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ فِي تَمَامِهِ حَقَّ الْآخَرِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُجَازَفَةِ أَكْثَرُ مِنْ التَّفَاضُلِ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ جَائِزٌ فَكَذَا الْمُجَازَفَةُ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَدَفَعَ مِنْ ثَمَنِهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ حِصَّةَ الْفِضَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ‏)‏ لِأَنَّ حِصَّةَ الْفِضَّةِ يُسْتَحَقُّ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَحِصَّةَ السَّيْفِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا نَقَدَ مِقْدَارَ الْحِلْيَةِ وَقَعَ مَا نَقَدَ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ؛ إذْ قَالَ‏:‏ خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِهِمَا‏)‏؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَصْرِفَ الْمَقْبُوضَ إلَى مَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ وَلِأَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْوَاحِدِ وَعَنْ الْجَمَاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ‏}‏، وَإِنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الْمَالِحِ، وَإِنَّمَا قَالَ ‏"‏ مِنْهُمَا ‏"‏ مَعَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَالِحَ، وَالْعَذْبَ يَلْتَقِيَانِ فَيَكُونُ الْعَذْبُ كَاللِّقَاحِ لِلْمَالِحِ كَمَا يُقَالُ‏:‏ يَخْرُجُ الْوَلَدُ مِنْ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْحِلْيَةِ‏)‏ لِأَنَّهَا صَرْفٌ وَكَذَا السَّيْفُ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الضَّرَرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي السَّيْفِ وَبَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ أَزْيَدَ مِنْ الْحِلْيَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ لَا يُدْرَى لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ، ثُمَّ افْتَرَقَا وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ وَصَحَّ فِيمَا قَبَضَ‏)‏ لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلَّهُ فَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَا يُوجَدُ، وَالْفَسَادُ طَارِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ فَلَا يَشِيعُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّيْفِ وَمَعْنَى الشُّيُوعِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ حَظٌّ مِنْ جُمْلَةِ الْآخَرِ فَقَوْلُنَا ‏"‏ صَرْفٌ كُلَّهُ ‏"‏ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّيْفِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَانَ الْإِنَاءُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا‏)‏ وَلَا خِيَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ مَعَ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْإِنَاءِ‏)‏ يَعْنِي بَعْضًا يَتَعَدَّى إلَى نَصِيبِ الْمُشْتَرِي، أَوْ لَا يَتَعَدَّى ‏(‏كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ‏)‏ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، وَفِي قَطْعِ الْإِنَاءِ ضَرَرٌ وَلَمْ يَأْتِ التَّفْرِيقُ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ جَازَ الْعَقْدُ وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ إذَا كَانَا لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَيَصِيرُ الْعَاقِدُ وَكِيلًا لِلْمُجِيزِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُجِيزِ حَتَّى لَوْ افْتَرَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ قَبْلَ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ - وَالْمُتَعَاقِدَانِ بَاقِيَانِ فِي الْمَجْلِسِ - صَحَّ الْعَقْدُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ بَاعَ نُقْرَةَ فِضَّةٍ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا أُخِذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ‏)‏ هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا لَوْ اُسْتُحِقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ لَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لَا مِنْ الْعَاقِدِ فَصَارَ كَهَلَاكِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ النُّقْرَةَ وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ حِصَّتَهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي قَطْعِ الْإِنَاءِ ضَرَرٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ وَالدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ نَظِيرُ النُّقْرَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي ذَلِكَ لَا تُعَدُّ عَيْبًا كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ‏)‏ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ لَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُصَحِّحُهُ، وَالْآخَرُ يُفْسِدُهُ حُمِلَ عَلَى مَا يُصَحِّحُهُ وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مِائَةً تُجْعَلُ بِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ وَيُجْعَلُ الدِّينَارُ بِتِسْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدِينَارًا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَتَقَابَضَا جَازَ وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِالْفَضْلِ وَهَذِهِ تُسَمَّى قِسْمَةَ الِاعْتِبَارِ وَإِذَا اشْتَرَى دِينَارًا وَدِرْهَمَيْنِ بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمَيْنِ وَتَقَابَضَا جَازَ وَيَكُونُ الدِّينَارُ بِدِرْهَمَيْنِ، وَدِينَارَانِ بِدِرْهَمَيْنِ وَهَذِهِ تُسَمَّى قِسْمَةَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا فِيهِ الرِّبَا عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا قِسْمَةُ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الْجِنْسَ بِجِنْسِهِ، وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَقْدُ حَتَّى يَكُونَ الْجِنْسُ الْمُنْفَرِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُقَابِلُهُ حَتَّى يُجْعَلَ بِمِثْلِهِ، وَالْفَضْلُ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ، وَهَذَا كَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ، وَالثَّانِي قِسْمَةُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ جِنْسَيْنِ فِيهِمَا الرِّبَا بِجِنْسِهِمَا وَهُنَاكَ تَفَاضُلٌ، مِثْلُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ، وَمِثْلُ صَاعَيْ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ بِصَاعَيْ شَعِيرٍ وَصَاعِ حِنْطَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَيُجْعَلُ كُلُّ جِنْسٍ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ الْآخَرِ قَالَ فِي الْأَصْلِ‏:‏ إذَا اشْتَرَى مِثْقَالَيْ فِضَّةٍ وَمِثْقَالًا مِنْ نُحَاسٍ بِمِثْقَالِ فِضَّةٍ وَثَلَاثَةِ مَثَاقِيلِ حَدِيدٍ جَازَ وَتَكُونُ الْفِضَّةُ بِمِثْلِهَا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ بِذَلِكَ الْحَدِيدِ وَكَذَلِكَ مِثْقَالُ صُفْرٍ وَمِثْقَالُ حَدِيدٍ بِمِثْقَالِ صُفْرٍ وَمِثْقَالِ رَصَاصٍ، فَالصُّفْرُ بِمِثْلِهِ

وَالرَّصَاصُ بِمَا بَقِيَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ جَازَ وَكَانَتْ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ‏)‏ وَلَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَوَازَنَا فَزَادَتْ إحْدَى الْعَشَرَتَيْنِ دَانَقًا فَوَهَبَهُ لَهُ وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ صِحَاحًا جَازَ الْبَيْعُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ الْعَشَرَةَ بِمِثْلِهَا وَوَهَبَ لَهُ الدَّانَقَ وَهُوَ هِبَةُ مُشَاعٍ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَصَحَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُكَسَّرَةً لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الدَّانَقَ يَتَمَيَّزُ مِنْ الدَّرَاهِمِ إذَا كَانَتْ مُكَسَّرَةً فَهِيَ هِبَةُ مُشَاعٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَمْ تَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٍ وَدِرْهَمٍ صَحِيحٍ بِدِرْهَمٍ غَلَّةٍ‏)‏ صَوَابُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمٍ غَلَّةٍ، وَالْغَلَّةُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ قِطَعًا وَقِيلَ هِيَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَأْخُذُهُ التُّجَّارُ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْحَرَامِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةَ فَهِيَ فِضَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّنَانِيرِ الذَّهَبَ فَهِيَ ذَهَبٌ وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِيَادِ‏)‏ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْخَالِصِ بِهِمَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا إلَّا وَزْنًا لَا عَدَدًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمَا الْغِشَّ فَلَيْسَا فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَكَانَا فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ‏)‏ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَا تَخْلُصُ مِنْ الْغِشِّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ تَخْلُصُ مِنْهُ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَهْلَكَةٍ فَإِذَا بِيعَتْ بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ فَهِيَ كَبَيْعِ نُحَاسٍ وَفِضَّةٍ بِفِضَّةٍ فَيَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ‏)‏ يَعْنِي الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ حُكْمِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ فَصَارَتْ فِي حُكْمِ الْفُلُوسِ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهِيَ فِي حُكْمِ شَيْئَيْنِ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ وَلَكِنَّهُ صَرْفٌ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ شُرِطَ فِي الصُّفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهَا إلَّا بِضَرَرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ، وَالْغِشُّ سَوَاءٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ إلَّا وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ ذَلِكَ وَزْنًا صَارَ بَائِعًا لِلْفِضَّةِ بِمِثْلِ وَزْنِهَا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْغِشِّ بِمِثْلِ وَزْنِهِ فِضَّةً كَذَا فِي شَرْحِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً، ثُمَّ كَسَدَتْ وَتَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْبَائِعِ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ‏)‏ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏

قِيمَتُهَا آخِرَ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ كَسَدَتْ أَيْ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تَرُوجُ فِي هَذَا الْبَلَدِ وَلَا تَرُوجُ فِي غَيْرِهِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَهْلِكْ وَلَكِنَّهَا تَعَيَّبَتْ فَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَالَ أَعْطِنِي مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ذَلِكَ دَنَانِيرَ وَقَيَّدَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّهَا إذَا غَلَتْ، أَوْ رَخُصَتْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ‏)‏ لِأَنَّهَا مَالٌ مَعْلُومٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً جَازَ الْبَيْعُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعَيُّنِهَا، وَإِذَا لَمْ تُعَيَّنْ فَالْعَاقِدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْهَا، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ غَيْرَهُ، وَإِنْ هَلَكَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِهَا حَتَّى يُعَيِّنَهَا‏)‏ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ ثَمَنًا وَمَا لَيْسَ بِثَمَنٍ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ كَالثِّيَابِ وَقَيَّدَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّهَا إذَا غَلَتْ، أَوْ رَخُصَتْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ، ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ إذَا كَسَدَتْ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ عَلَيْهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ مُوجِبَةٌ رَدَّ الْعَيْنِ مَعْنًى‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسًا جَازَ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ‏)‏ وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ بِدَانَقٍ فُلُوسًا، أَوْ بِقِيرَاطٍ فُلُوسًا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ تَغْلُو وَتَرْخُصُ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ عِبَارَةٌ مَعْلُومَةٌ عَنْ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْفُلُوسِ فَقَدْ بَاعَ مَعْلُومًا بِمَعْلُومٍ فَجَازَ وَقَيَّدَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِدِرْهَمٍ فُلُوسًا، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَهُ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ أَعْطَى الصَّيْرَفِيَّ دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا‏:‏ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَعْطِنِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً، وَالْبَاقِيَ فُلُوسًا جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَتْ الْفُلُوسُ وَالنِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِدِرْهَمٍ‏)‏ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْفُلُوسَ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ إذَا كَانَ لَمْ يُضِفْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصْفَيْنِ إلَى الدِّرْهَمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعْطِنِي بِهِ فُلُوسًا وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً وَذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فُلُوسًا وَأَعْطِنِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْفُلُوسِ وَالنِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ الَّذِي وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَأَمَّا إذَا قَالَ‏:‏ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ الْبَاقِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْفُلُوسِ وَيَبْطُلُ فِي الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَتَفْسِيرَهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ كَعَقْدَيْنِ فَبُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ فِي الْآخَرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ تَفْسِيرَ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلَهُ لَا يَجْعَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ عَقْدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ عَقْدًا وَاحِدًا فَبَيْعُ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً لَا يَجُوزُ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَدْ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي الْبَاقِي مِنْ الدِّرْهَمِ فَيَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ الرَّهْنِ

الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَبْسُ أَيْ حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مَالًا، أَوْ غَيْرَ مَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ‏}‏ أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ احْتِرَازًا عَنْ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ وَثِيقَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَاحْتِرَازًا أَيْضًا عَنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ وَثِيقَةٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ عَلَى وَثِيقَةٍ وَيُقَالُ هُوَ فِي الشَّرْعِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَلَا رَهْنُ الْمُدَبَّرِ وَمِنْ مَحَاسِنِ الرَّهْنِ أَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِجَانِبِ الرَّاهِنِ وَجَانِبِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا جَانِبُ الرَّاهِنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ يَكُونُ أَلَدَّ الْخِصَامِ خُصُوصًا إذَا وَجَدَ رُخْصَةً مِنْ جَانِبِ الشَّارِعِ بِصَرِيحِ الْبَيَانِ وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏لِصَاحِبِ الْيَدِ الْحَقُّ وَاللِّسَانُ‏}‏ فَرُبَّمَا يَزِيدُ فِي تَشَدُّدِهِ بِحَيْثُ لَا يَدَعُ الرَّاهِنَ يَقْتَاتُ وَلَا يَتْرُكُهُ يَبَاتُ فَاَللَّهُ تَعَالَى رَحِمَهُ وَشَرَعَ الرَّهْنَ لِيُسَهِّلَ أَمْرَهُ وَيَنْفَسِحَ بِهِ صَدْرُهُ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يُؤَدِّي بِهِ دَيْنَهُ فِي فَسْخِهِ وَيَصُونَ بِهِ عِرْضَهُ فِي مُهْلَتِهِ وَأَمَّا جَانِبُ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ دَيْنَهُ عَلَى عُرْضَةِ التَّوَى وَالتَّلَفِ لِمَا عَسَى أَنْ يُذْهِبَ الرَّاهِنُ مَالَهُ بِالتَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ، أَوْ يَقُومَ لَهُ غُرَمَاءُ يَسْتَوْفُونَ لَهُ، أَوْ يَجْحَدَ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيِّنَةٌ، أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا بِغَيْرِ كَفَالَةٍ مُتَعَيَّنَةٍ فَنَظَرَ الشَّارِعُ لِلْمُرْتَهِنِ فَشَرَعَ الرَّهْنَ لِيَصِلَ إلَى دَيْنِهِ بِآكَدِ الْأُمُورِ وَأَوْثَقِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِدَيْنِهِ كَانَ فَائِزًا بِمَا يُعَادِلُهُ مِنْ رَهْنِهِ‏.‏

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ‏)‏ الْإِيجَابُ رُكْنُ الرَّاهِنِ بِمُجَرَّدِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ‏:‏ رَهَنْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ بِدَيْنِكَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرُّكْنُ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لِمَا أَثْبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِإِزَاءِ ذَلِكَ شَيْئًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ تَبَرُّعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ لَا يَصِيرُ لَازِمًا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ كَالْهِبَةِ فَكَانَ الرُّكْنُ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ، أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَتَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ الرُّكْنُ فِي الْبَيْعِ الْإِيجَابَ، وَالْقَبُولَ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِيجَابُ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِهِ يُوجَدُ، وَرُكْنُ الشَّيْءِ مَا يُوجَدُ بِهِ الشَّيْءُ، وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّةِ جَوَازِ الرَّهْنِ قَوْله تَعَالَى ‏{‏فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ‏}‏ وَرُوِيَ أَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ‏}‏ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدٍ ‏{‏تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ شَعِيرٍ‏}‏‏.‏

الرِّهَانُ جَمْعُ رَهْنٍ كَالْعِبَادِ، وَالْجِبَالِ، وَالْخِبَاثِ جَمْعِ عَبْدٍ وَجَبَلٍ وَخُبْثٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَشَايِخَ اسْتَخْرَجُوا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْكَامًا فَقَالُوا‏:‏ فِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الرَّهْنِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مُعَدًّا لِلطَّاعَةِ، أَوْ لَا فَإِنَّ دِرْعَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ مُعَدًّا لِلْجِهَادِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لَنَا عَلَى جَوَازِ رَهْنِ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ أَنَّ مَا يَكُونُ مُعَدًّا لِلطَّاعَةِ لَا يَجُوزُ

رَهْنُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ حَبْسِهِ عَنْ الطَّاعَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَإِنَّ رَهْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي حَالِ إقَامَتِهِ بِهَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ إنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّفَرِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ‏}‏ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي الْفَصْلَ بَيْنَ الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ وَلَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّرْطَ حَقِيقَةً بَلْ ذِكْرُ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ فَإِنَّهُمْ فِي الْغَالِبِ يَمِيلُونَ إلَى الرَّهْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إمْكَانِ التَّوَثُّقِ بِالْكِتَابِ، أَوْ الشُّهُودِ وَالْغَالِبُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي السَّفَرِ، وَالْمُعَامَلَةُ الظَّاهِرَةُ - مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِالرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ - دَلِيلُ جَوَازِهِ بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ‏)‏ يَعْنِي قَبْضًا مُسْتَمِرًّا إلَى فِكَاكِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي لُزُومِهِ كَنَفْيِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ فَكَذَا هُنَا الْقَبْضُ شَرْطُ اللُّزُومِ لَا شَرْطُ الْجَوَازِ فَإِنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا بِالتَّسْلِيمِ كَالْهِبَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لَمْ تُجْبَرْ وَرَثَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الْإِقْبَاضِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا‏.‏

وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ، ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ‏:‏ الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ إنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطَ اللُّزُومِ لَا شَرْطَ الْجَوَازِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، ثُمَّ يُكْتَفَى فِي الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ‏.‏

وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْمَبِيعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى إنَّ عِنْدَهُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ وَكِيلُهُ وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ، وَالْمُرْتَهِنَ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُون الرَّهْنُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ وَبَعْدَ التَّرَاضِي لَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَقْبِضَهُ لِيَحْبِسَهُ رَهْنًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَصِحَّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مَحُوزًا مُفْرَغًا مُمَيَّزًا تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ‏)‏ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اتِّصَافَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِلَازِمٍ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاتَّصَفَ بِهَا عِنْدَ الْقَبْضِ يَتِمُّ فِيهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِهَا عِنْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا؛ إذْ لَوْ وَقَعَ بَاطِلًا لَقَالَ صَحَّ فَلَمَّا قَالَ تَمَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بِدُونِهَا نَاقِصًا، وَالْبَاطِلُ فَائِتُ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ، وَالْفَاسِدُ مَوْجُودُ الْأَصْلِ فَائِتُ الْوَصْفِ وَقَوْلُهُ ‏"‏ مُحْرَزًا ‏"‏ احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ الثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ - بِدُونِ النَّخْلِ - وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ ‏"‏ مُفَرَّغًا ‏"‏ احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ النَّخْلِ بِدُونِ الثَّمَرَةِ وَرَهْنِ الْأَرْضِ بِدُونِ الزَّرْعِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ مُمَيَّزًا احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ الْمُشَاعِ بِأَنْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ، أَوْ ثُلُثَهُ، قَوْلُهُ ‏(‏وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الرَّهْنِ‏)‏ لِأَنَّ اللُّزُومَ إنَّمَا هُوَ بِالْقَبْضِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْوَثِيقَةُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ حُكْمًا وَالِاسْتِيفَاءُ حَقِيقَةً لَا يَكُونُ بِدُونِ الْقَبْضِ فَكَذَا الِاسْتِيفَاءُ حُكْمًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هُوَ أَمَانَةٌ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ‏)‏‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ مَضْمُونٍ وَقَعَ تَأْكِيدًا، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّيُونِ مَضْمُونَةٌ وَقِيلَ احْتَرَزَ عَنْ ضَمَانِ الدَّرَكِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَأَخَذَ مِنْ الْقَائِلِ رَهْنًا بِذَلِكَ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ لَمْ يَجُزْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ‏:‏ الرَّهْنُ بِالدَّرَكِ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّرَكِ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْحَظْرِ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ بِذَلِكَ تَعَامُلًا وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ فِي الرَّهْنِ إيفَاءً، وَفِي الِارْتِهَانِ اسْتِيفَاءً فَيَحْصُلُ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَالْبَيْعِ أَمَّا الْكَفَالَةُ لِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ وَالْتِزَامِ الْأَفْعَالِ تَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمَالِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ أَخَذَ رَهْنًا بِالدَّرَكِ وَقَبَضَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا الشَّيْءَ لِتُقْرِضَنِي كَذَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَرْضِ بِمُقَابَلَتِهِ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الْبَيْعِ‏.‏

قَالَ فِي النِّهَايَةِ‏:‏ رَجُلٌ بَاعَ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَخَافَ الْمُشْتَرِي الِاسْتِحْقَاقَ فَأَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا بِالثَّمَنِ إنْ أَدْرَكَهُ فِيهِ دَرَكٌ كَانَ بَاطِلًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَ الرَّهْنِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَمْ لَا، وَإِنْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رَهْنُ مَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ وَلَيْسَ هُنَاكَ دَيْنٌ وَاجِبٌ وَلَا عَلَى شَرَفِ الْوُجُوبِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ

الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَ الرَّهْنَ لِيُقْرِضَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبَضَ الرَّهْنَ مِنْهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَسْلِيمُ الْعَشَرَةِ إلَى الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ حَصَلَ بَعْدَ الْقَرْضِ حُكْمًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ فِي اعْتِبَارِ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ فَيُجْعَلُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ كَذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، أَوْ بِالْإِبْرَاءِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا فَإِنَّ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِتَعْجِيزِهِ لِنَفْسِهِ شَاءَ الْمَوْلَى، أَوْ أَبَى لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَأَكِّدٍ‏.‏

وَفِي النِّهَايَةِ إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ رَهْنًا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ‏.‏

وَقَدْ أُخِذَ عَلَى الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ، وَالْمَغْصُوبِ وَلَا دَيْنَ فِيهَا وَيُجَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ قِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَعَلَى هَذَا هِيَ دُيُونٌ وَلِأَنَّ مُوجَبَ الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إنْ أَمْكَنَ، أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ دَيْنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ رَدُّ الْعَيْنِ أَصْلٌ، وَالْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ، وَالْعَيْنِ، وَفِي شَرْحِهِ

مَا كَانَ مِنْ الْأَعْيَانِ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ جَازَ الرَّهْنُ بِهِ وَمَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَالْمَضْمُونُ بِنَفْسِهِ مَا يَجِبُ بِهَلَاكِهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، وَأَمَّا مَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ ضَمَانًا صَحِيحًا أَلَا تَرَى أَنَّ بِهَلَاكِهِ لَا يَجِبُ مِثْلُهُ وَلَا قِيمَتُهُ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ فَيَصِيرُ كَمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فَإِنْ أَعْطَى رَهْنًا بِالْمَبِيعِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَعْطَى الْمُؤَجِّرُ رَهْنًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ‏)‏ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ رُهِنَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخَمْسِمِائَةٍ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الرَّهْنُ أَمَانَةٌ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ يَسْقُطُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ سَوَاءٌ قَلَّتْ قِيمَتُهُ، أَوْ كَثُرَتْ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَالدَّيْنُ أَلْفًا سَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَضْمُونًا عِنْدَنَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إذَا هَلَكَ بِغَيْرِ فِعْلِ الرَّاهِنِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ كُلَّهَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الرَّاهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا كَانَ الرَّهْنُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ

ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏ إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ إلَيْهِ‏:‏ أَنَا آخُذُهُ رَهْنًا فَإِنْ ضَاعَ عِنْدِي ضَاعَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِنُ‏:‏ نَعَمْ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَ ضَاعَ بِالْمَالِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقِيمَته وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا‏)‏ حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا إذَا رَهَنَ بِدَيْنٍ أَمَّا إذَا رَهَنَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ، أَوْ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ، أَوْ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْعَيْنِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ غُرْمُ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ الْعَيْنِ الَّتِي رَهَنَ بِهَا وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ وَلَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بِضَمَانِ الْعَيْنِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الضَّمَانِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلضَّمَانِ إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ‏)‏ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهَا وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ‏)‏ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ يَهْلِكُ مَضْمُونًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ يُوجِبُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ فَكَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ ثُمَّ اسْتَوْفَاهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْهِبَةَ، وَالْبَرَاءَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَا

ضَمَانًا عَلَى الْوَاهِبِ، وَالْمُبْرِئِ لِأَجْلِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ وَقَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ رَهَنَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُهَايَأَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا بِالنَّصِّ فَلَوْ جَازَ فِي الْمُشَاعِ يَفُوتُ الدَّوَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا قَالَ‏:‏ رَهَنْتُك يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَكَذَا مَا كَانَ فِي عِلَّةِ الْمُشَاعِ مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ كَرَهْنِ النَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ، وَالْأَرْضِ دُونَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ عَلَى الْفَسَادِ فَهَلَكَ قَالَ الْكَرْخِيُّ يَهْلِكُ أَمَانَةً وَلَا يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ‏.‏

وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ‏:‏ كُلُّ مَالٍ هُوَ مَحَلٌّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ إذَا رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ إذَا رُهِنَ رَهْنًا فَاسِدًا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِشَاعَةِ الطَّارِئِيَّةِ، وَالْأَصْلِيَّةِ فِي مَنْعِ صِحَّةِ الرَّهْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ جَمِيعَ الْعَيْنِ، ثُمَّ تَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ، أَوْ يَبِيعَ الرَّاهِنُ، أَوْ وَكِيلُهُ نِصْفَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ يُسْتَحَقَّ نِصْفُهُ فَيَبْطُلَ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّارِئَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً

وَيَبْقَى النِّكَاحُ فِي حَقِّهَا بِأَنْ وُطِئَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ لِذَلِكَ الْوَطْءِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا بَقَاءً وَيَمْنَعُ صِحَّتَهَا ابْتِدَاءً وَلَنَا أَنَّ الْإِشَاعَةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ عَلَى وَجْهِ الرَّهْنِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الطَّارِئَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ يَقْبَلُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ فِيهَا الْمِلْكُ وَالْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامِ ذَلِكَ الْعَقْدِ، وَالْمِلْكُ يَقْبَلُ الشُّيُوعَ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ الرَّهْنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ دُونَ النَّخْلِ وَلَا زَرْعٍ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ دُونَهُمَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُجَاوَرَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الثَّمَرُ فِي رَهْنِ النَّخْلِ كَانَ فِي مَعْنَى رَهْنِ الْمُشَاعِ مِنْ أَنَّ دُخُولَ الثَّمَرِ فِي الرَّهْنِ لَا يَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ فِيهِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ هُنَاكَ فِي بَيْعِ النَّخْلِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي النَّخْلِ بِدُونِ الثِّمَارِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ وَالْمُقَارِنَ غَيْرُ مَانِعٍ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا رَهَنَ أَرْضًا، وَفِيهَا زَرْعٌ، أَوْ نَخْلٌ، أَوْ شَجَرٌ وَعَلَى الْأَشْجَارِ ثَمَرٌ‏.‏

وَقَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ وَالْكَرْمُ وَالرَّطْبَةُ وَالتَّمْرُ وَكُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا الصِّحَّةَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِدُخُولِ الْمُتَّصِلِ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ بِدُونِهِ، ثُمَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الثِّمَارِ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ضَمِنَ وَلَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ النَّخْلِ، أَوْ الشَّجَرِ، أَوْ النَّخْلَ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الثَّمَرِ، أَوْ الثَّمَرَ

دُونَ الشَّجَرِ، أَوْ الزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَلَوْ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ دُونَ الْمَتَاعِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُرْتَهِنِ مَعَ الْمَتَاعِ، أَوْ بِدُونِ الْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا إذَا رَهَنَهُ الْحَانُوتَ، وَفِيهِ الْمَتَاعُ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَتَاعِ، أَوْ رَهَنَهُ الْجَوَالِقَ دُونَ مَا فِيهَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ‏.‏

وَإِنْ وَهَبَهُ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الدَّارِ دُونَ الدَّارِ، أَوْ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الْجَوَالِقِ دُونَ الْجَوَالِقِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ صَحَّ الرَّهْنُ وَالتَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّارِ، وَالْوِعَاءِ وَيُمْنَعُ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ بِالْحِمْلِ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ التَّسْلِيمُ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ غَيْرُ مَشْغُولَةٍ بِهِ وَلَوْ رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا، ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ لِلنَّخْلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ‏:‏ وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ، أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ دَارًا وَهُمَا فِي جَوْفِهَا وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْكَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ فِيهَا فَلَيْسَ بِمُسَلِّمٍ فَإِذَا خَرَجَ يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ، وَالْمُضَارَبَاتِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ‏)‏ فَإِنْ رَهَنَ بِهَا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالرَّهْنِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَإِنْ أَخَذَ بِهَا رَهْنًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْحَبْسِ هَلَكَ أَمَانَةً وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ ضُمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ رَهْنٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا، وَرَهْنٍ فَاسِدٍ كَالرَّهْنِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَرَهْنٍ بَاطِلٍ كَالرَّهْنِ بِالْأَمَانَاتِ، وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا وَبِالدَّرَكِ فَالصَّحِيحُ، وَالْفَاسِدُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الضَّمَانُ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ، وَالْبَاطِلُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُغَنِّيَةً، أَوْ نَائِحَةً وَأَعْطَاهَا بِالْأَجْرِ رَهْنًا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَ فِي يَدِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ، وَالْأَجْرَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَالرَّهْنُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مَضْمُونٌ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَأَعْطَاهَا رَهْنًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَبْقَى رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ‏)‏ فَإِنْ رَهَنَ بِرَأْسِ مَالٍ السَّلَمِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ وَالسَّلَمُ جَائِزٌ بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ بِالْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ هَلَكَ بِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ بُطْلَانِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَنْقَلِبُ السَّلَمُ جَائِزًا، وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا، ثُمَّ هَلَكَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهَا وَرَجَعَ بِالْبَاقِي وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ جَازَ‏)‏ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْمُرْتَهِنِ فَمَلَكَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رِضَا الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ الْمِلْكِ فَلَا يَقْبِضُ إلَّا بِرِضَاهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ‏)‏ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْعَدْلُ إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ‏)‏ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدٌ لِلْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَكُون مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ وَالتَّسْلِيطُ عَلَى وَجْهَيْنِ تَسْلِيطٌ مَشْرُوطٌ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَتَسْلِيطٌ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِهِ فَلَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْضًا بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ كَمَا يَبِيعُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْعَدْلُ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا يَمُوتُ أَحَدُهُمَا، وَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَصِيَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ مِنْ بَيْعِهِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ بَطَلَ التَّسْلِيطُ وَلَيْسَ لِوَصِيِّهِ وَلَا لِوَارِثِهِ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيطُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَلِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْبَيْعِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَكَالَاتِ، وَإِنْ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ، وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَمَنَهُ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ أَيْضًا بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَيُوَفِّي الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يَبِيعُهُ بِالنَّقْدِ هـ، أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَلَوْ قَبَضَ الْعَدْلُ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الرَّهْنِ فَكَانَ هَلَاكُهُ كَهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَدْلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي تَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الرَّهْنَ فِي يَدِهِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا‏)‏ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ فَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ دُونَ الْجَوْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِقَدْرِ وَزْنِهِ لِأَنَّ عِنْدَهُ حَالَةُ الْهَلَاكِ حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ لَا حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ، وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجَوْدَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ حَالَةُ الْهَلَاكِ أَيْضًا حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالرَّاهِنِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا كَانَ ضَرَرٌ لَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِيفَاءُ هَذَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ أَمَّا فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هِيَ حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ لَا حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالدَّيْنِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَتْرُكَهُ بِدَيْنِهِ وَلَا يُمْكِنَ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ الْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّهُ رِبًا فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَكَذَا حَالَةُ الِانْكِسَارِ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَكَذَا حَالَةُ الِانْكِسَارِ‏.‏

بَيَانُهُ رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَته عَشَرَةٌ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَمِثْلُ وَزْنِهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَوَزْنُهُ مِثْلُ دَيْنِهِ وَعِنْدَهُمَا الِاسْتِيفَاءُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ مِثْلُ الدَّيْنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَصَارَ تِبْرًا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا فَيَكُونُ رَهْنًا مَقَامَهُ فَيَكُونُ الْمَكْسُورُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِمَا ضَمِنَ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا وَيَكُونُ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَهُمَا يَقُولَانِ‏:‏ الْقُلْبُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَإِذَا انْكَسَرَ ضَمِنَ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْقَلْبِ الْمَغْصُوبِ إذَا انْكَسَرَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً وَوَزْنُهُ عَشَرَةً وَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الِاسْتِيفَاءُ بِالْوَزْنِ، وَفِيهِ وَفَاءٌ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِالْوَزْنِ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُرْتَهِنِ وَلَا يُمْكِنُ أَيْضًا اعْتِبَارُ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقِيمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ‏.‏

وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ذَهَبًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَضْمُونٌ، وَالِانْكِسَارُ يَنْقُصُهُ وَلَا يُسْتَدْرَكُ حَقُّ الرَّاهِنِ إلَّا بِالتَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُنَا أَنْ نَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ بِوَزْنِهِ تَضَرَّرَ الْمُرْتَهِنُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَجْعَلَهُ بِقِيمَتِهِ لِمَا فِيهِ الرِّبَا بِخِلَافِ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ ثَمَانِيَةً وَقِيمَتُهُ سِتَّةً وَهُوَ رُهِنَ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ

هَلَكَ فَبِثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ يَنْقُصُهُ وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْبِرَهُ فِي التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ أَدْوَنَ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً وَوَزْنُهُ كَذَلِكَ فَهَلَكَ هَلَكَ بِوَزْنِهِ إجْمَاعًا، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَانِيَةٍ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهَا وَزْنًا وَجَوْدَةً، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ تِسْعَةً أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ هَلَكَ بِثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِحَقِّ الرَّاهِنِ حَتَّى لَا يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ أَجْوَدَ مِنْ حَقِّهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَضْمُونٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى الرَّاهِنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَيَجُوزَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَوَزْنُهُ عَشَرَةً وَهُوَ رُهِنَ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْجَوْدَةُ الزَّائِدَةُ أَمَانَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُ‏.‏

وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهَا هُنَا؛ لِأَنَّهَا فَاضِلَةٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ أَمَانَةٌ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ مَضْمُونَةٌ كَالْوَزْنِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِ يَهْلِكُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِالدَّيْنِ وَسُدُسُهُ عَلَى الْأَمَانَةِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ، وَإِنْ انْكَسَرَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَانْتَقَصَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمُنْكَسِرِ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَيَكُونُ مَا ضَمِنَ مَعَ سُدُسِ الْمُنْكَسِرِ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَشِيعُ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ، وَالْمَضْمُونُ مِنْ وَزْنِ الْقُلْبِ قَدْرُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ يَبْلُغُ قِيمَةَ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ إذَا كَانَ عَشَرَةً، وَالْقِيمَةُ اثْنَيْ عَشَرَ كَانَتْ الْعَشَرَةُ الَّتِي هِيَ الدَّيْنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ سُدُسٍ اثْنَانِ فَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ عَشَرَةً مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الْوَزْنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ سُدُسُهُ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ عَشَرَةٍ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَيُمَيَّزُ السُّدُسُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا مُيِّزَ كَيْ لَا يَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي سُوِّيَ فِيهَا بَيْنَ الْإِشَاعَةِ الطَّارِئِيَّةِ، وَالْأَصْلِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الطَّارِئِيَّةَ لَا تُبْطِلُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَمْيِيزٍ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْأَمَانَةُ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالنُّقْصَانُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ دِرْهَمَيْنِ، أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ يُصْرَفُ إلَى الْجَوْدَةِ، وَالْأَمَانَةِ، وَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ عِنْدَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِثْلَ دَيْنِهِ فَأَنْفَقَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ يَعْنِي عَلِمَ بَعْدُ أَمَّا لَوْ عَلِمَ حَالَةَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَرُدَّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إذَا عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَهَا فَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا فَإِنَّ الْجِيَادَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدْ الْقَبْضَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ‏:‏ فَلَا شَيْءَ لَهُ يَعْنِي إذَا كَانَ مَا قَبَضَهُ مِثْلَ وَزْنِهِ وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْجِيَادَ مِنْ الزُّيُوفِ فَيَكُونُ كَالرَّهْنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ‏)‏، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمٌ فَأَعْطَاهُ دِرْهَمَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِرْهَمٌ جَازَ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ لَهُ دِينَارٌ فَأَعْطَاهُ دِينَارَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِينَارٌ فَأَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ رَهْن عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَضَى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَاقِيَ الدَّيْنِ‏)‏ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبَالَغَةً فِي حَمْلِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ رَهَنْتُهُمَا بِأَلْفٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ‏.‏

وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ، أَوْ الْعَدْلَ، أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ‏)‏ لِأَنَّهُ تَوْكِيلُ بَيْعِ مَالِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ شَرَطَ الْوَكَالَةَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ عَنْهَا فَإِنْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي عَزْلِهِ إسْقَاطُ حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ يَطْلُبُ الْمُدَّعَى وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يُعْمَلْ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ، وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ غَيْرُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَنْعَزِلْ‏)‏ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ بِمَا يَبْطُلُ بِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏(‏وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ‏)‏ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ، وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ أُمِرَ بِإِحْضَارِهِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ، وَالْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ‏)‏ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ، وَإِنْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا قَضَاهُ الدَّيْنَ قِيلَ لَهُ سَلِّمْ الرَّهْنَ إلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الدَّيْنِ إلَى مَنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ وَهُوَ الرَّاهِنُ، أَوْ الْمُتَطَوِّعُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَيَجِبُ رَدُّهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ

الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ يَهْلِكُ مَضْمُونًا وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ لَا بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا لُبْسٍ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَكَذَا إذَا كَانَ مُصْحَفًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ دُونَ الِانْتِفَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَيُعِيرَ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ‏)‏ لِأَنَّ الرَّاهِنَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ لَازِمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْقُوفًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ جَازَ‏)‏ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا‏)‏ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ وَتَصَرُّفُهُ صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ، وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا هَذَا‏.‏

وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَوْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فَإِنْ فَسَخَهُ لَا يَنْفَسِخُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ؛ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِذَا افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ

يَنْفُذْ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ جَازَ الثَّانِي وَإِنْ بَاعَ الرَّاهِنُ، ثُمَّ آجَرَ، أَوْ رَهَنَ، أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَهُ حَظٌّ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ أَمَّا هَذِهِ الْعُقُودُ فَالْهِبَةُ لَا بَدَلَ لَهَا وَكَذَا الرَّهْنُ أَيْضًا لَا بَدَلَ لَهُ وَاَلَّذِي فِي الْإِجَازَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلُ الْعَيْنِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ‏.‏

ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ لَا يَعُودُ الرَّهْنُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ عَادَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ حَقِّهِ فَلَمْ يَزُلْ حُكْمُ الرَّهْنِ وَهُنَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالرَّهْنِ وَقَدْ تَحَقَّقَ زَوَالُ مِلْكِ الرَّاهِنِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَبَاعَهُ زَالَ حَقُّهُ مِنْ الرَّهْنِ فَإِذَا فَسَخَ لَا يَعُودُ، وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ فَسَخَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ‏)‏ وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُعْتَقُ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوسِرًا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَهُ أَيْضًا وَيُسَلِّمُ قِيمَتَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْغُو تَصَرُّفُهُ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ فَلَا يَمْنَعُ نَفَاذَ الْعِتْقِ كَالنِّكَاحِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْإِجَارَةِ يَعْنِي إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ، أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ كَاتَبَهُمَا، أَوْ آجَرَهُمَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ عِتْقِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ إذَا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يُعْتَقُ وَتَبْقَى الْإِجَارَةُ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَقْبَلُهَا أَمَّا الرَّهْنُ فَلَا يَقْبَلُهُ الْحُرُّ فَلَا يَبْقَى، ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ فَلَمَّا لَمْ يُمْنَعْ الْأَعْلَى لَا يُمْنَعُ الْأَدْنَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ‏)‏ لِأَنَّ عَلَيْهِ إقَامَةَ غَيْرِ الرَّهْنِ مَقَامَهُ وَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ ذَلِكَ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَطُولِبَ بِالدَّيْنِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ‏)‏ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ

وَرَدَّ الْفَضْلَ‏(‏‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي‏)‏ الْأَقَلِّ مِنْ ‏(‏قِيمَتِهِ‏)‏ وَمِنْ الدَّيْنِ ‏(‏فَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ‏)‏ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ بِإِذْنِهِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ سُلِّمَتْ لَهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الضَّمَانِ مِنْ الرَّهْنِ لَزِمَ الْعَبْدَ مَا سُلِّمَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى أَنْ يُسَلِّمَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ رَقَبَتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعِتْقِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا أَيْسَرَ بِمَا سَعَى وَلَيْسَ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ رُجُوعٌ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا يَسْعَى إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِذْ سَعَى فَحُكْمُهُ فِي سِعَايَتِهِ حُكْمُ الْحُرِّ‏.‏

وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا حَالَ الْعِتْقِ أَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا حَالَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلسِّعَايَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعِتْقِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ وَقْتَ الرَّهْنِ مِائَةٌ، ثُمَّ ازْدَادَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَى فِي مِائَةٍ قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَته وَقْتَ الرَّهْنِ مِائَةً ثُمَّ انْتَقَصَتْ فِي السِّعْرِ حَتَّى صَارَتْ خَمْسِينَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَعَى فِي

خَمْسِينَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ فِي مَالِيَّتِهِ بِالْعَتَاقِ هَذَا الْقَدْرَ فَلَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ مِمَّا حُبِسَ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ خَمْسِينَ وَقِيمَة الْعَبْدِ مِائَةً فِي الْحَالَيْنِ سَعَى فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَلَكِنْ دَبَّرَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ كَمَا يَخْرُجُ بِالْعِتْقِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ، ثُمَّ إذَا صَحَّ التَّدْبِيرُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِدَيْنِهِ - إنْ شَاءَ - الْعَبْدَ‏.‏

وَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنَ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ لِمَوْلَاهُ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَوْلَى بِجَمِيعِ دَيْنِهِ فَكَذَا الْمُدَبَّرُ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُطَّلَبٌ بِالدَّيْنِ وَأَكْسَابُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمْوَالِهِ فَلَا تَخْتَصُّ الْمُطَالَبَةُ بِبَعْضِ أَمْوَالِهِ دُونَ بَعْضٍ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُدَبَّرُ بِمَا سَعَى عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهُ بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِنَفْسِهِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ، وَالْعِتْقِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي الْعِتْقِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا تَجِبُ السِّعَايَةُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي التَّدْبِيرِ تَجِبُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَالثَّانِي أَنَّ فِي الْعِتْقِ يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِمَا سَعَى عَلَى الرَّاهِنِ، وَفِي التَّدْبِيرِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ سِعَايَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَرْجِعُ، وَفِي الْإِعْتَاقِ خَرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ سِعَايَتُهُ لِلرَّاهِنِ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ صَحَّ الِاسْتِيلَادُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَتَسْعَى فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ كَالْمُدَبَّرِ؛

لِأَنَّ أَكْسَابَهَا لِمَوْلَاهَا وَلَا تَرْجِعُ بِمَا سَعَتْ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ كَسْبَهَا مَالٌ لِلْمَوْلَى‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ‏)‏ ضَمِنَهُ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فَيَكُونَ رَهْنًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ فَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ‏)‏ وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الزَّائِدَةِ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ يَوْمُ الْقَبْضِ لَا يَوْمُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَإِذَا ضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ الْقِيمَةَ وَكَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا كَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَكَانَ الضَّمَانُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اُقْتُضِيَ مِنْهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ طَالَبَ بِدَيْنِهِ، أَوْ يَبِيعُ الْقِيمَةَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ مُزِيلٌ لِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَمَّا جَنَى عَلَيْهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي وَلِأَنَّهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ غَاصِبٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَإِذَا ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ كَانَ لَهُ الْمُقَاصَّةُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَيَرُدُّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنِ وَعَلَى أَمْوَالِهِمَا هَدَرٌ‏)‏ أَمَّا عَلَى الرَّاهِنِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ إذَا كَانَتْ تُوجِبُ الْمَالَ فَهَدَرٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقَوَدَ أُخِذَ بِهَا الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ مَوْلَاهُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا إذَا جَنَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي نَفْسِهِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ هَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّا لَوْ أَثْبَتْنَاهَا احْتَجْنَا إلَى إسْقَاطِهَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَعِنْدَهُمَا تَثْبُتُ الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أَمْ لَا فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَبْطَلَ الرَّهْنَ وَدَفَعَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ قَالَ‏:‏ لَا أَبْغِي الْجِنَايَةَ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ‏:‏ فِي رِوَايَةٍ يَثْبُتُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَيَصِيرُ كَعَبْدِ الْوَدِيعَةِ إذَا جَنَى عَلَى الْمُودَعِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ عَلَى طَرِيقِ الرَّهْنِ وَأَمَّا إذَا جَنَى فِي مَالٍ الْمُرْتَهِنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ لَحِقَهُ لَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ شَيْءٍ يَعُودُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ تَثْبُتُ فِي مِقْدَارِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا أَفْسَدَ الرَّاهِنُ مَتَاعًا لِلْمُرْتَهِنِ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَقِيمَة الرَّهْنِ أَلْفَانِ وَهُوَ رُهِنَ بِأَلْفٍ فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَةِ الْمَتَاعِ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ قَضَى عَنْهُ نِصْفَ ذَلِكَ وَكَانَ نِصْفُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَرِهَ بَيْعَ الْعَبْدِ فِي

ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ فِكَاكِ الرَّهْنِ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ نِصْفَهُ وَالرَّاهِنُ نِصْفَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى قَضَاءَ قِيمَةِ الْمَتَاعِ قِيلَ لَهُ‏:‏ اقْضِ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْأَمَانَةِ تَامَّةٌ وَحِصَّةَ الْمَضْمُونِ نَاقِصَةٌ فَإِنْ قَضَى الْمَوْلَى النِّصْفَ زَالَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ وَبَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقَوَدَ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ دَيْنُهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَلِفَ بِسَبَبٍ فِي يَدِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَأُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ‏)‏ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي ضَمَانِهِ فَإِنْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِ الرَّهْنِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ إذَا شَرَطَ الْمُودِعُ لِلْمُودَعِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِهَا فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنَّ فِي الْكَرْخِيِّ‏:‏ الْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ لَهُ حَبْسُ ذَلِكَ كُلِّهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَأُجْرَةُ الرَّاعِي عَلَى الرَّاهِنِ‏)‏؛ لِأَنَّ الرَّعْيَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِزِيَادَةِ الْحَيَوَانِ وَنَمَائِهِ فَصَارَ كَنَفَقَتِهِ، وَأَمَّا أُجْرَةُ الْمَأْوَى، وَالْمَرِيضِ وَأُجْرَةُ الْحَارِسِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ‏)‏ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْبَائِعِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا بِرَغِيفٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَكَلَ الْعَبْدُ الرَّغِيفَ صَارَ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا لِلثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ دَابَّةً بِقَفِيزِ شَعِيرٍ فَأَكَلَتْ الدَّابَّةُ الشَّعِيرَ لَمْ يَصِرْ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا، وَنَفَقَةَ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ‏}‏ يَعْنِي لِلرَّاهِنِ غُنْمُهُ‏:‏ مَنَافِعُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ‏:‏ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَالْمُؤَجِّرِ وَكَذَا إذَا مَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ حَيَوَانًا فَعَلَفُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ فَأُجْرَةُ الظِّئْرِ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَا سَقْيُ الشَّجَرِ وَتَلْقِيحُ النَّخْلِ وَجَذَاذُهُ وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ أَمْ لَا فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فَإِنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى النَّفَقَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِتَصْدِيقِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ أَصَابَ الرَّقِيقَ جِرَاحَةٌ، أَوْ مَرَضٌ، أَوْ دُبِرَتْ الدَّابَّةُ فَإِصْلَاحُ ذَلِكَ وَدَوَاؤُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ

فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا بِالْحِسَابِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَنَمَاؤُهُ لِلرَّاهِنِ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ‏)‏ يَعْنِي إنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عِنْدَ الرَّاهِنِ وَالنَّمَاءُ مِثْلُ اللَّبَنِ، وَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ وَثِمَارِ الشَّجَرِ وَالنَّخِيلِ فَأَمَّا غَلَّةُ الدَّارِ وَأُجْرَةُ الْعَبْدِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الرَّهْنِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِهِ كَمَا لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ كَسْبًا، أَوْ وُهِبَ لَهُ هِبَةٌ فَإِنْ آجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلْمُرْتَهِنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ لَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ‏)‏ يَعْنِي النَّمَاءَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِحِصَّتِهِ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ‏)‏، وَإِنَّمَا قُسِمَ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ النَّمَاءِ يَوْمَ الِانْفِكَاكِ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ قَبْلَ الْفِكَاكِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَبِالْفِكَاكِ يُضْمَنُ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ هَلَاكِ الْأُمِّ حَتَّى مَاتَ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَصَارَ الْوَلَدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ قَبْلَ الْفِكَاكِ‏.‏

وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ‏:‏ رَجُلٌ رَهَنَ شَاةً تُسَاوِي عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ هَلَكَتْ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمَ رُهِنَتْ وَعَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ عَشَرَةً هَلَكَتْ الشَّاةُ بِحِصَّتِهَا وَهُوَ نِصْفُ الدَّيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَإِنْ ازْدَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بَعْدَ هَلَاكِ الْأُمِّ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي

عِشْرِينَ بَطَلَتْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ وَتَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ كَانَتْ ثَلَاثَةً وَثُلُثًا وَلَوْ صَارَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ ثَلَاثِينَ تَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ الرُّبُعُ وَلَوْ انْتَقَصَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ خَمْسَةً تَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ ثُلُثَا الدَّيْنِ وَهِيَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَلَوْ رَهَنَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا، ثُمَّ مَاتَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ وَأَرَادَ الرَّاهِنُ افْتِكَاكَهُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِائَةً، وَقِيمَةُ الْأُمِّ خَمْسِينَ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ عِشْرِينَ فَإِنَّك تَقْسِمُ الدَّيْنَ عَلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْبَاعِهِ أَيْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ الْمِائَةِ وَهُوَ أَحَدٌ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ - وَهُوَ سُبُعَانِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ - افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَقِيمَة الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ خَمْسَةً وَقِيمَة الْأَصْلِ عَشَرَةً فَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ الزِّيَادَةَ بِثُلُثِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ عِشْرِينَ وَقِيمَة الْأَصْلِ عَشَرَةً وَالدَّيْنُ عَشَرَةً فَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ الزِّيَادَةَ بِثُلُثَيْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَلَوْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ جُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ حَتَّى لَوْ نَقَصَتْ مِنْ قِيمَتِهَا عَشَرَةٌ، وَالْوَلَدُ يُسَاوِي عَشَرَةً لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ لَا تَجُوزُ فَإِذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا - وَالدَّيْنُ أَلْفٌ - يُقْسَمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا يَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ، وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا سُدُسُ الدَّيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ نُقْصَانُ قِيمَةِ الْأَوَّلِ فِي السِّعْرِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْقَبْضِ فَالْمُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ نَقَصَ الْأَصْلُ فِي يَدِهِ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ فَإِنْ زَادَهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ رَهْنًا آخَرَ قَسَمْتَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى قِيمَةِ الْبَاقِي مِنْهُ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ وَكَانَ الدَّيْنُ فِيهِمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ كَرَجُلٍ رَهَنَ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ اعْوَرَّتْ فَزَادَهُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَدْ ذَهَبَ بِاعْوِرَارِهَا نِصْفُ الدَّيْنِ وَبَقِيَ فِيهَا خَمْسُمِائَةٍ مَقْسُومَةٌ عَلَى قِيمَتِهَا عَوْرَاءَ وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ فِي الْعَبْدِ ثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ إنْ هَلَكَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَإِنْ هَلَكَتْ الْعَوْرَاءُ ذَهَبَ بِهَلَاكِهَا ثُلُثُ خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ ذَهَبَ بِالْعَوَرِ خَمْسُمِائَةٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا تَجُوزُ فِي الدَّيْنِ‏)‏ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ لَا تَجُوزُ فِيهِمَا وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ هُوَ جَائِزٌ فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ وَزُفَرُ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَقَالَ‏:‏ لَا يَجُوزُ كِلَاهُمَا وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا فَقَالَا زِيَادَةُ الرَّهْنِ عَلَى

الرَّهْنِ جَائِزَةٌ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرَّهْنِ تُؤَدِّي إلَى شُيُوعِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَهَنَ بِنِصْفِ الدَّيْنِ رَهْنًا جَازَ وَشُيُوعُ الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ فَافْتَرَقَا وَصُورَةُ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ إذَا رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُون الْعَبْدُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا بِالْأَلْفِ خَاصَّةً وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالْأَلْفِ الْأَوَّلِ وَلَا يَهْلِكُ بِأَلْفَيْنِ وَكَذَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِمِائَةٍ وَقِيمَته مِائَتَانِ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مِائَةً أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُون الْعَبْدُ رَهْنًا بِالدَّيْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ وَالْفَضْلُ مِنْ الْعَبْدِ أَمَانَةٌ وَيَبْقَى الدَّيْنُ الثَّانِي بِلَا رَهْنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ جَائِزَةٌ وَيَسْقُطُ بِمَوْتِهِ الدَّيْنَانِ جَمِيعًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِذَا رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جَازَ وَجَمِيعُهَا رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا‏)‏؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْهِبَةِ الْمِلْكُ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ مِلْكًا لِهَذَا وَمِلْكًا لِهَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكًا لِلنِّصْفِ فَيَحْصُلَ قَبْضُهُ فِي مُشَاعٍ فَلَا تَصِحَّ الْهِبَةُ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْوَثِيقَةُ لَا الْمِلْكُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ جَمِيعُ الرَّهْنِ وَثِيقَةً لِهَذَا وَجَمِيعُهُ وَثِيقَةً لِهَذَا فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْإِشَاعَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةُ دَيْنِهِ مِنْهَا‏)‏ أَيْ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ كَانَتْ كُلُّهَا رَهْنًا فِي يَدِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ‏)‏ لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا رَهْنٌ وَاحِدٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ صَاحِبِهِ اسْتَرَدَّ مِنْ الدَّيْنِ قَضَاءَ مَا أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي يَدِ الْآخَرِ فَحُكْمُ الرَّهْنِ بَاقٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالرَّهْنِ مِنْ وَاحِدٍ إذَا اسْتَوْفَى دَيْنَهُ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا، أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا مَكَانَهُ‏)‏ أَمَّا جَوَازُ شَرْطِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي بِهِ رَهْنٌ أَوْثَقُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ فَصَارَ ذِكْرُ ذَلِكَ صِفَةً فِي الثَّمَنِ وَشَرْطُ صِفَاتِ الثَّمَنِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَهَذَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيَّنْ الرَّهْنُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلِهَذَا شَرَطَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ بِعَيْنِهِ وَلَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا مَجْهُولًا وَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُ‏:‏ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ هَذَا قَوْلُنَا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ وَلَنَا أَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَلَا إجْبَارَ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إلَّا بِهِ فَيُخَيَّرُ لِفَوَاتِهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ حَالًّا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ فَقَالَ لِلْبَائِعِ‏:‏ أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ فَالثَّوْبُ رَهْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى وَقْتِ الْإِعْطَاءِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ لَا يَكُونُ رَهْنًا بَلْ يَكُونُ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ فَيُقْضَى بِأَقَلِّهِمَا ثُبُوتًا وَهِيَ

الْوَدِيعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ‏:‏ أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك، أَوْ بِمَالِك فَإِنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ قُلْنَا‏:‏ لَمَّا مَدَّهُ إلَى الْإِعْطَاءِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ‏)‏ يَعْنِي وَلَدَهُ الْكَبِيرَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِخَادِمِهِ هُوَ الْحُرُّ الَّذِي أَجَرَ نَفْسَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ حَفِظَهُ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ ضَمِنَ‏)‏؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ غَيْرُ أَيْدِيهِمْ فَصَارَ بِالدَّفْعِ مُتَعَدِّيًا وَهَلْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُودَعَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ لَا وَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ فَإِنْ ضَمَّنَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُودِعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ ضَمَّنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ بِالتَّعَدِّي خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ بِالْإِذْنِ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ، وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي فَإِنْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ بِالْحِفْظِ وَهَذَا لَيْسَ بِحِفْظٍ، وَالْيُمْنَى، وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً فَكَانَ حِفْظًا لَا لُبْسًا وَكَذَا الثَّوْبُ إنْ لَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ضَمِنَ، وَإِنْ جَعَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ لَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ إنْ كَانَ مِمَّنْ عَادَتُهُ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَجَمَّلُ بِهِ فَهُوَ حَافِظٌ فَلَا يَضْمَنُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ فَقَبَضَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ بِاسْتِعَارَتِهِ وَقَبْضِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَزَالَ الْقَبْضَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ‏)‏ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ إلَى يَدِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ‏)‏ يَعْنِي بِغَيْرِ اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَارِيَّةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَبَقِيَ الرَّهْنُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ - وَالرَّهْنُ فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ - فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ ضَمَانِ الرَّهْنِ فِي الْحَالِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الرَّاهِنِ أَمَّا بِالْعَارِيَّةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا‏.‏

وَإِنْ اسْتَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَبَقَاءِ يَدِ الرَّاهِنِ فَعَادَ ضَمَانُهُ وَإِنْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ وَهِيَ حَادِثَةٌ بَعْدَ زَوَالِ قَبْضِ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ، أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ فَإِنْ سَمَّى لَهُ قَدْرًا

مِنْ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ وَكَذَا إذَا سَمَّى لَهُ صِنْفًا مِنْ الدَّيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِصِنْفٍ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ رَضِيَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَضْمُونًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَتَّى إذَا هَلَكَ رَجَعَ بِهِ فَإِذَا جَعَلَهُ مَضْمُونًا بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ مِنْ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ مَالِهِ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَلِأَنَّ الْمُعِيرَ يَتَوَصَّلُ إلَى أَخْذِ عَارِيَّتِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا أَذِنَ فِي مِقْدَارٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَيَعْجَزَ عَنْ أَدَائِهِ فَإِنْ رَهَنَهُ بِغَيْرِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَدْرِ، أَوْ الصِّنْفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَيَفْسَخَ الرَّهْنَ وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهَا‏.‏

وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ ارْهَنْهُ بِالْكُوفَةِ فَرَهَنَهُ بِالْبَصْرَةِ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ مُخَالِفٌ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَيَتِمُّ عَقْدُ الرَّهْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ رَهَنَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَعَارَهُ غَيْرَ مُخَالِفٍ ضَمِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ قَدْرَ مَا سَقَطَ عَنْهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى دَيْنَهُ مِنْهُ بِأَمْرِهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا وَفَّى وَلَا يَلْزَمُهُ

أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُعِيرُ مُتَطَوِّعٌ فِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ عَجَزَ الْمُسْتَعِيرُ عَنْ فِكَاكِ الرَّهْنِ فَافْتَكَّهُ مَالِكُهُ رَجَعَ بِمَا كَانَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُهُ إذَا أَعَارَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَتَيْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ بِمِائَتَيْنِ رَجَعَ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِهَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا إذَا اقْتَضَى بِنَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ‏.‏

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ‏:‏ إذَا آجَرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَكَذَا إذَا أَجَرَهُ الرَّاهِنُ مِنْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَأَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ أَجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَهُ الرَّاهِنُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ وَخَرَجَ الْمَرْهُونُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهَا كَانَ إبْطَالًا لِلرَّهْنِ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ الرَّهْنِ فَكَأَنَّهُمَا تَفَاسَخَا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُؤَجِّرَ الرَّهْنَ فَإِنْ آجَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ كَانَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ إلَى وَقْتِ الْهَلَاكِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ الرَّهْنُ وَاسْتَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، أَوْ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ

الْمُرْتَهِنِ، أَوْ آجَرَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ أَجَازَهَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَوِلَايَةُ قَبْضِهَا إلَى الْعَاقِدِ وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّهْنَ فَإِنْ رَهَنَهُ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ‏)‏ لِأَنَّ وَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ صِغَارًا أَمَّا إذَا كَانُوا كِبَارًا فَهُمْ يَخْلُفُونَ الْمَيِّتَ فِي الْمَالِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ تَخْلِيصُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏